منذ السابع من أكتوبر 2023، تصاعدت وتيرة الضغوط الدولية على حركة حماس الإسلامية لإجبارها على صياغة تفاهمات مع الإسرائيليين بشأن محادثات وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى، ليزيد “الامتعاض القطري” من غموض مصير القضية الفلسطينية وسط تغير مسار التحالفات والداعمين لتوجهاتهم.
فالمشرع الأمريكي يمارس ضغطا واسعا على الدولة الخليجية للمضي قدما في طرد “حماس” من ديارها، بعد فشل الدوحة في تهدئة الصراع بين حماس وإسرائيل وتحقيق هدنة بين الجانبين، الأمر الذي لم يعد مقبولا لدى الإدارة الأمريكية.
فوز ترامب يسرع “الفُراق”
تصدع العلاقة بين الدوحة وقيادة حماس، تسربت أخباره منذ الأشهر الماضية، حيث نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا تحدثت فيه عن طلب إدارة جو بايدن طرد قطر لحماس إذا استمرت الحركة في تعنتها برفض اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل.
هذا الخصام المبطن خلف الأبواب المغلقة، كشفته تسريبات إعلامية أخرى مثل وكالة رويترز وفرانس 24 عن تحول الموقف القطري من الدعم الغير المشروط للحركة إلى حد غلق أبواب أراضيها بوجه قادتها وإغلاق نهائي لمقراتها.
وتأتي هذه الخطوة، تزامنا مع فوز دونالد ترامب ساكن البيت الأبيض الجديد، لتستبق بذلك توترا متوقعا مع الرئيس العائد الذي تنتظره ملفات الشرق الأوسط على أجندات طاولة عمله، وعلى رأسها ورقة غزة.
وهو ما يفسر لقاء الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب بوزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي، رجل نتنياهو رون ديرمر وذلك قبل أن يبدأ لقاءاته الرسمية بواشنطن، لتمرير رسالة نتنياهو بشأن جبهتي غزة ولبنان، وتعود معها صفقة القرن إلى الواجهة كـ “رؤية ترامبية” للسلام في الشرق الأوسط.
حماس.. بتوقيت واشنطن
تغير بوصلة الدوحة إلى واشنطن، وتخليها عن دورها الذي لعبته لسنوات كوسيط في الصراع بين حماس وإسرائيل، سيجنبها التصادم مع دونالد ترامب مثل ما حدث خلال ولايته الرئاسية الأولى، ووضعها في مرمى اتهاماته بدعم الإرهاب.
فمراجعة قطر لعلاقاتها مع حليفتها حماس، فرضتها إملاءات سياسية جديدة وتحولات إقليمية كبرى، خاصة وأن الطلب الأمريكي جاء بعد أن رفضت حماس “خطة بيرنز”، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، للتوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن ووقف إطلاق النار خلال الأسابيع الأخيرة، يقضي بإطلاق سراح نحو 8 رهائن محتجزين لدى حركة “حماس” وإطلاق سراح عشرات السجناء الفلسطنيين لدى إسرائيل.
في المقابل، تطالب الحركة بمقترح “الكل مقابل الكل” ويعني “الإفراج عن جميع المختطفين مقابل وقف الحرب والانسحاب الكامل والفوري من قطاع غزة”، وهو ما لا يصب في مصلحة الإسرائيليين.
فقطر الداعمة لحماس منذ عهد الأمير السابق حمد بن خليفة آل ثاني، وفرت للحركة الحماية المالية والسياسية منذ غلق مقراتها بدمشق عام 2012، ودعمها ماليا بموجب قرار يقضي بدفع الرواتب لموظفي “حكومة حماس”.
ورغم هذه العلاقة المتينة بين صناع القرار القطريين وقيادة حماس، إلا أن إخفاق الوساطة القطرية لإنهاء الصراع في غزة، دفع بالجانب القطري إلى رفع عبئ “حماس” مع فقدان الدوحة القدرة على السيطرة على دوائر القرار بحماس بعد السابع من أكتوبر، وفشلت المحاولات القطرية على مدار عام كامل في إقناع حركة حماس بوقف القتال لإثبات النية بوقف إطلاق النار ولو من طرف واحد.
ماذا بعد الدوحة؟
ولحد الآن، لم تخرج الخارجية القطرية عن صمتها لتؤكد هذه المعلومات واكتفت بإعلان جهوزيتها لاستئناف المفاوضات حين إظهار الجدية لتحقيق التهدئة، فيما نفت “الحركة” تلقيها أي طلب من قطر لغلق مكتبها في الدوحة”.
إلا أن الترجيحات تصب في اتجاه مغادرة الحركة ملاذها السياسي بقطر والتوجه إما إلى تركيا أو إيران أو العراق، وربما مع زيارة أمير قطر إلى تركيا، قد ترسم ملامح جديدة من التوازنات بملف غزة، وقد تكون تركيا أرض حماس الجديدة.
الثابت أن الحراك الدبلوماسي المتسارع في المنطقة على أكثر من خط، سيغير خارطة التفاهمات والتوازنات الإقليمية، ويبقى الغموض سيد الموقف بملف التهدئة بغزة ومصير حماس بعد أن أدرات قطر ظهرها لها بأمر من واشنطن.