الى جانب أن الحرب في قطاع غزة تشكل مصدرا لمعاناة إنسانية كبيرة، يترتب عليها أيضا عواقب إقتصادية مباشرة حيث سيكون للصراع أيضًا تداعيات على منطقة الشرق الأوسط خاصة فيما يتعلق بميدان السياحة الذي يشكل مصدر دخل هام لمصر والأردن ولبنان الموجودة على مقربة من بؤرة الصراع بين حركة المقاومة الإسلامية حماس واسرائيل.
ولا شك أن هذه الأزمة ستغير مستقبل المنطقة. وفي البلدان حيث العواقب الاقتصادية شديدة أو حيث المخاطر مرتفعة، ستكون إدارة الأزمات واتخاذ التدابير الاحترازية أمراً ضرورياً على المدى القصير. يمكن أن تمثل هذه الأزمة بداية فترة من عدم اليقين الكبير للعديد من البلدان إذا لم يتم التعامل معها بشكل مباشر.
منذ بدأ الحرب ألغى الكثير من المسافرين رحلاتهم إلى المنطقة، ما عاقب بشدة قطاعا حيويا لهذه الدول، اذ تعد السياحة، التي مثلت ما بين 35% إلى ما يقرب من 50% من صادرات السلع والخدمات في هذه البلدان في عام 2019، مصدرًا رئيسيًا للنقد الأجنبي وفرص العمل، وقد أشارت وكالة التصنيف الأمريكية ستاندرد آند بورز (S&P)، الأكثر تأثيرًا في العالم، في تقرير لها إلى أن الحرب بين إسرائيل وحركة حماس قد ألحقت ضررًا كبيرًا بقطاع السياحة في منطقة الشرق الأوسط وحتى شمال أفريقيا أين تترد الجاليات اليهودية من أصول مغربية عن حجز مواعيدها لزيارة موطن أجدادها خشية وقوع هجمات انتقامية من قبل المناصرين لحركة حماس هناك .
وتتوقع الوكالة انخفاض عائدات السياحة بنسبة 70% في لبنان، و30% في الأردن، و10% في مصر، في ظل سيناريوهات مختلفة محتملة. وترى أن قطاع السياحة في دول الخليج وتركيا والعراق لن يتأثر بشكل كبير بالصراع الدائر بين حماس وإسرائيل، وذلك بحسب مدة الصراع واحتمال امتداده إلى مناطق أخرى.
في لبنان لا يزال الإقتصاد الذي مزقته الأزمة يعتمد بشكل كبير على السياحة، حيث يوفر القطاع ما يصل إلى 40٪ من دخله القومي، والذي انخفض خلال الأزمة المالية الحالي، ونتيجة للتصعيد الواقع منذ 9 أشهر انخفضت أعداد السياح ووصلت معدلات إشغال الفنادق تتراوح بين صفر و7%، مقارنة بما كان عليه الحال قبل الحرب اذ عادة ما تكون ممتلئة بنسبة الربع على الأقل.
في مصر شكلت الحرب في غزة تراجعا لأعداد السياح القادمين من اسرائيل باتجاه طابا وسيناء المتواجدة على مقربة من بؤرة الصراع و توقعت وكالة “فيتش” تراجع عائدات مصر من السياحة وقناة السويس إلى 12.7 مليار دولار، و9 مليارات على التوالي، خلال السنة المالية الحالية 2024/2023، وسط استمرار الصراع في غزة واضطرابات البحر الأحمر.
و في الأردن أين تمثل السياحة 16 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الأردني تشير الأرقام الرسمية الصادرة من وزارة السياحة والآثار الى خسائر بحوالي 845 مليون دولار، خلال العام الحالي، كنتيجة لاستمرار الحرب في غزة من الاحتلال الإسرائيلي. وكشفت الوزارة، في تقرير لها عن أداء قطاع السياحة الأردني، أن أسوأ انخفاض في الدخل السياحي للأردن منذ بدء العدوان على غزة كان في شهر مارس/ آذار الماضي، حيث بلغ التراجع 12%.، وكمؤشر أساسي لتراجع السياحة، فقد تراجعت نسبة إشغال الفنادق والمنتجعات السياحية في مدينة العقبة البحرية جنوب الأردن بشكل واضح وغير مسبوق منذ سنوات طويلة.
اسرائيل بصفتها طرفا مباشرا في الحرب تلقت ضربة موجعة في قطاع السياحة فمنذ الأيام الأولى من الحرب تراجعت حركة السياحة فيها بنسبة 76 بالمئة على أساس سنوي، وتبخرت السياحة الخارجية مباشرة بعد الهجوم، وتسارعت نتيجة إلغاء معظم شركات الطيران الأجنبية رحلاتها إلى إسرائيل، مما أدى إلى توقف المرشدين السياحيين وموظفي الفنادق وسائقي الحافلات وغيرهم من موظفي القطاع، وبحسب وزارة السياحة الإسرائيلية، بلغ عدد السواح الذين توافدو الى دولة الإحتلال ثلاثة ملايين سائح فقط في عام 2023، بعد أن كان متوقعا أن تستقبل 5.5 مليون زائر، وبحسب وسائل اعلام اسرائيلية، فإن 45 شركة طيران فقط تعمل في إسرائيل، مقارنة بـ 250 قبل اندلاع الصراع. علاوة على ذلك، أوقفت العديد من شركات الطيران رحلاتها إلى إسرائيل. ومن الشركات التي علقت رحلاتها الخطوط الجوية التركية.
قد يكون تفاقم الصراع نقطة تحول في المنطقة. وسيكون لهذا عواقب بعيدة المدى، والتي سوف تنتشر بسرعة إلى ما هو أبعد من الجيران المباشرين إلى دول مثل العراق وإيران وسوريا واليمن. وكلما طال أمد الصراع، كلما زادت العقوبات على قطاعات السياحة والتجارة والاستثمار وغيرها من الدوائر المالية. ومن الممكن أن تزداد تدفقات اللاجئين بشكل كبير، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم التوترات الاجتماعية والمتعلقة بالميزانية في البلدان التي تستضيفهم، وقد يؤدي إلى إضعاف الأخيرة على نحو أطول أمدا.
ولا شك أن هذه الأزمة ستغير مستقبل المنطقة. وفي البلدان حيث العواقب الاقتصادية شديدة أو حيث المخاطر مرتفعة وهنا ستكون إدارة الأزمات واتخاذ التدابير الاحترازية أمراً ضرورياً على المدى القصير. يمكن أن تمثل هذه الأزمة بداية فترة من عدم اليقين الكبير للعديد من البلدان إذا لم يتم التعامل معها بشكل مباشر.