الاستعمار الغربي وأمريكا عملوا منذ القرن المنصرم على تقسيم المنطقة بين محاور و طوائف و اقاليم لتسهيل السيطرة عليها ونهب خيراتها ، ولعل “المحور السني” و”المحور الشيعي” أسوأ ما نتج عن ذلك الاستعمار القومي.
المحور الشيعي كما هو واضح يتسم بالقوة والتماسك وتحديد الاهداف وتفاهم بين الدول المنضوين تحت لوائه، بالاضافة لاستقلالية قراراتها وقوة طرحها ومواقفها.
المحور السني مع الأسف الشديد لا وجود له بل انه محور وهمي ضعيف متهالك لا اهداف واضحة له وتابع لقوى عظمى تستعبده و تنهب خيرات محوره، بل و تقتل وتدمر وتحتل من أجزاءه، وهناك دول “سنية” وازنه ليست جزء منه .
الجهل والخيانه تبدءان من تعاطي اي فرد عربي مع فتنة الطائفية و المذهبية الدينية وتقسيم المسلمين بين سني وشيعي لان المصير مشترك و الاهداف مشتركة و لا مجال للفصل بين مصالح دولة عربية او إسلامية بل انها متكاملة، وفي وحدتها القوة والعزة والحياة الرغيدة، منطقة تتحدث نفس اللغة و تقريبا نفس الدين والباقي يشتركوا معهم بتوحيد الله، ومتلاصقة في الحدود وتمتلك كل الموارد الطبيعة التي تتحكم في العالم اجمع، فلماذا تعيش هذا الضعف ؟!؟ السبب ان الأمريكان و الغرب أحكموا السيطرة على مقدراتها و فرض الأنظمة الضعيفة لحكمها وتنفيذ مخططاتهم .
السابع من اكتوبر حدث مزلزل واستثنائي لاسرائيل ومفاجيء لدول العالم، وردة فعل قوات الاحتلال عليه جنونية بل وخرجت عن المعايير القانونية والدولية والإنسانية، لدرجة ان اسرائيل من أجل ممارسة الانتقام خسرت بشريا وعسكريا ودوليا واخلاقيا بل اصبحت دولة شبه معزولة حتى عن الدول التي تتبنى حمايتها إذ ان اكبر المسيرات الضخمة ضد سلوكها وارتكابها لجرائم الحرب والابادة الجماعية في غزة خرجت في تلك الدول مثل امريكا والمانيا وبريطانيا وهي دول محورية ولها الفضل في اقامة دولة الاحتلال، بالاضافة لتفتتها داخلياً.
فلماذا لم يكن الرد بنفس ردة الفعل على حزب الله في لبنان رغم ان صواريخ وقذائف جنود المقاومة الاسلامية اللبنانية لم تتوقف طيلة تسعة اشهر وسقط فيها من القتلى الاسرائيلين اضعاف ما حدث في السابع من اكتوبر بل وتم تهجير الالاف من المستوطنين الاسرائيليين الذين اعلنوا انهم لن يعودوا في ظل وجود تهديد حزب الله الدائم لهم ، حيث خسروا مزارعهم و تراجع اقتصادهم و دَمرت بيوتهم.
والثابت والحقيقة واضحة ان اسرائيل مردوعة من حزب الله وتقيِّم بشكل صحيح حجم الخسائر في حال قامت بردة فعل ضد لبنان كما فعلت في غزة، حيث اعلن حزب الله ان الرد القادم لن يخضع لاي معايير او سقوف بل ان البيت في البيت و المطار بالمطار و المدني في المدني بل ان رد حزب الله سيكون برا وبحرا وجوا كما اعلن قادته، وان اهم المواقع الاستراتيجة تحت أنظار جنود حزب الله من ميناء حيفاء و مطار بنغوريون اي ان ابعد نقطة في إيلات ستصلها صواريخ حزب الله.
وكما قال السياسي المحنك ناصر قنديل “ان حزب الله عام 2006 يختلف عن حزب الله عام 2024 ” فلديه معادلة واضحة و تنفذ فورا لتحقق مقولة ” العين بالعين والسن بالسن والبادئ اظلم “، بل ان الحرب إذا اشتعلت لا تستطيع اسرائيل ان تستثني خطر مشاركة ايران والعراق واليمن بل و من المحتمل سوريا ضمن ما يسمى بوحدة الساحات فهل لدى اسرائيل قدرة على مواجهة كل هذه الجبهات اضافة لجبهة غزة و الضفة الغربية .؟! فهنا يظهر للعيان و لكل متابع من هو الرادع و ومن هو المردوع، اسرائيل كانت إذا دخل عصفور بالغلط من لبنان الى اسرائيل تقتل وتدمر وتغتال وتحرق وتقصف وتدخل وتعلن حرب، فلماذا يحصل الان صمت وهدوء وحسابات هل سموترتش الذي يصرح ضد غزة والضفة نفسه سموترتش ضد لبنان !!.
المحور الرادع (محور المقاومة) وهو ما يسمى “المحور الشيعي ” بلغة الأمريكان واعوانهم و هذا المحور واضحة أهدافه و خندقه في هذه المعركة، ودخوله لهذه الحرب لم يكن فقط للدفاع عن مقدساته وإخوته في العروبة و الدين بل لانه يدرك تماما ان خسارة المقاومة في غزة تعني ان الدور عليه ياتي فورا بعدها وهكذا ايران و هكذا سورياً و اليمن والعراق، لذلك المراهنة على وقف الحرب معهم بالردع غير واردة لان ما ينتظرهم بعد ذلك واضح وضوح الشمس، وحتى ما يسمى “بالمحور السني” شعبيا غير متماسك ومعظم أفراده ضد إسرائيل واحتلالها و جرائمها ، فهل يقبل المواطن السعودي والامارتي و البحريني استمرار احتلال اولى القبلتين ومسرى نبيهم محمد و هل يقبل المصري الابادة الجماعية ضد إخوانه المسلمين “السنة” بلغة الأمريكان، و هل قَبل اليمني ذلك !!!؟.
للأسف المحور السني والمفترض ان فلسطين جزء منه لا يحرك ساكناً و حرب الابادة تستمر ضد اخوانهم فيها بشقيها غزة و الضفة الغربية وتدنس مقدساتهم والصمت السمة الغالبة لمعظمهم و بعضهم في الخندق المعادي ، بل ان دعمهم السياسي و المالي شبه معدوم ، في المقابل ايران ” الشيعية “كما يصفوها قدمت الدعم العسكري و المالي والتدريب لعناصر المقاومة “السنية” في غزة و هذا معلوم لكل العالم فماذا قدم “المحور السني” لهم ؟!، حتى دعم موازنة الحكومة الفلسطينية لكي تتمكن من دفع رواتب موظفي دولة فلسطين لم تجرؤ هذه الدول أن تكسر اوامر أسيادها وقامت بتسويق اعذار تأخذها من فم أمريكا و اسرائيل للتنصل من مهامها وواجباتها.
هل الجزائر التي لم تتاخر عن دعم فلسطين يوما وتونس و ليبيا والسودان وغيرهم سيكونوا في “المحور السني” مع الامريكان ضد المقاومة و الشعب الفلسطيني ومن يدعمهم من المحور الشيعي، المقاومة ” السنية ” في فلسطين التي تدعمها الدول “الشيعية” هل ستكون في المحور السني الذي تخلى عنها تماما و هي تذبح من الوريد إلى الوريد ؟!.
الغباء الأمريكي الذي زَرع في العقول المضروبة مصطلح ” المحور السني” لكي يواجه بالوكالة “المحور الشيعي” الذي يشكل خطر على وجود اسرائيل ومصالح أمريكا لم يعطى شيء او يترك له اي مجال للنجاح في المنطقة، ولم يقدم المحور السني اي انجاز سياسي لكي يستقطب شعبه ومواطنيه وأمته حول مصالحهم بل أدخلتهم قسراً امريكا في ملف التطبيع والاعتراف بإسرائيل دون دولة فلسطينيه ودون دعم اقتصادي حيث ان معظم الدول السنية تعاني الفقر والحروب.
انظروا لسوريا وللسودان وليبيا التي دمرت بدواعش امريكا تقابل بصمت دول النفط والغاز و الذهب وبعضهم شارك في تدمير دول شقيقة لهم ، البطالة والفقر المتقع في معظم منطقة الشرق الأوسط منتشر وتسببت بهجرة الناس ، ولكن عبثا تعمل امريكا بان يكون لها من امتنا العربية من الشام إلى بغدان ومن نجد إلى يمن ومن مصر إلى تطوان محورا خادما لاهدافهم ووكيلا لهم في المنطقة لمواجهة اي مخاطر تمس مصالحهم الامبريالية الأمريكية وحلفاءها بل نعم يكون لهم حكام عبيد لهم حفاظاً على كرسيهم ومصالهم، ودخولهم ونهب بترول العراق و سوريا وليبيا وذهب السودان ومعادن افغانستان وترك شعوبها تعاني من الفقر والتهجير سيواجه بثورات عاجلا ام اجلاً ومهما طال الزمن او قصُر.
ولم يدرك الامريكي ان رسوخ القيم و المباديء لدى امتنا تجعل كثير من الدول الإسلامية “السنية” في مواجهتهم و لن تكون يوميا في محورهم مثل تركيا وإندونيسيا وماليزيا و غيرهم .
إذا رغبت فعلا امريكا استثمار علاقة جيدة مع شعوب المحور “السني” عليها الاعتراف اولا بدولة فلسطين ولجم الاحتلال الاسرائيلي و وقف جنونه و ارهابيه، وتغذية احترام القوانين الدولية والإنسانية و تعميم الديمقراطية والانتخابات في كل هذه الدول و عدم ترك الحكام العرب التابعين لهم في واد و شعوبهم في واد آخر ، وإعادة الأراضي المحتلة لكل الدول المجاورة ودعم حل الدولتين على مرجعية القرارات الدولية وحدود العام 1967 و قف نهب الموارد الطبيعية من دول المنطقة و السماح للدول العربية والإسلامية الغنية مساعدة اخوانهم من الدول الفقيرة، والاعتذار للامة الإسلامية و العربية عن كل ما تم ارتكابه من جرائم و مجازر بالسلاح والمال والتدريب و الغطاء الامريكي .
على امريكا و قف لغة الرادع والمردوع بل دعم الحقّ والحقوق والعدل والقانون، وعكس ذلك ستتشكل في كل الدول الإسلامية و العربية تنظيمات تعد نفسها لردع اسرائيل كما في لبنان و التي ظهرت انها لا تفهم إلا لغة القوة و الردع و تركع للأقوياء، حيث بعد السابع من اكتوبر تكشفت اسرائيل و اصبحت مردوعة من اطراف كثيرة وركعت لحزب الله، وهذا السلوك الإرهابي و النازي هو الخطر الاول عليها و يهدد بقاءها باعتمادها على لغة البطش و القوة و الحروب والجرائم و التنكر للحقوق و القوانين الدولية والإنسانية، و ثبت لها انها ليست بعيدة عن الخطر من اليمن ومن العراق و من سوريا بل قد ينتقل ذلك الخطر ليكون مثال حزب الله في دول الطوق والدول البعيدة ، عندها لن تستطيع اسرائيل وقف خطر بقاءها مهما قدمت من اعذار ، وقد تخسر امريكا بانشغالها زعامة العالم لكثرة اعدائها و تتقدم عليها عدالة الصين وروسيا .
اسرائيل لن تدخل الان وفي الوقت القريب بحرب مع لبنان للأسباب التي ذكرناها، و لكنها ما دامت مستمرة في اغتصاب الارض و ارتكابها الجرائم فان الحرب ستبقى الوسيلة للحسم ، ولكنها تكون ضمن معادلة “تكون او لا تكون”، و سوف تعض على اصابع الندم حيث وفر لها السلام 78% من ارض فلسطين التاريخية و تطبيع كامل مع الدول العربية والإسلامية ورفضتها، والفرص عادة لا تتكرر مرتين.