ملفات فلسطينية

فلسطين تحتاج لانتصار سياسي

وقف الحرب دون رفع الحصار ودون وقف الاستيطان في الضفة يعني إعطاء الاحتلال الوقت والفرصة.

منذ أن بدأ الحديث عن وقف إطلاق النار في غزة، حددت المقاومة عددا من الأهداف للقبول به أهمها أن يكون وقف إطلاق النار دائما، انسحاب قوات الاحتلال بشكل كامل من غزة، عودة الفلسطينيين لأماكن سكنهم بعد نزوحهم عنها مرات عديدة، وإعادة الإعمار.

لم يناقش أحد هذه الأهداف لوجود قناعة عامة لدى الفلسطينيين بأن من يقاتل في الميدان ومن يعطي دمه لفلسطين هو صاحب الحق في قول الكلمة الفصل بشأن مسألتي الحرب والسلام. هذا تقليد فلسطيني تاريخي جرى الالتزام به والإقرار به ضمنا منذ أن بدأت المقاومة المسلحة في ستينيات القرن الماضي.

سأغامر هنا بكسر «الإجماع» بالقول إن هذه الأهداف وإن كانت تحمل إن تحققت نصرا للمقاومة، لأنها تُكرس فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه من الحرب وهي القضاء على المقاومة، واستعادة أسراه، وتهجير الفلسطينيين، سأغامر بالقول إنها غير كافية.
هي غير كافية لأن هذه الحرب ليست ككل الحروب السابقة التي خاضتها المقاومة.

سياسيا، هذه الحرب أعادت للقضية الفلسطينية أهميتها عربيا ودوليا، وهي خلقت حركة تضامن دولي واسعة في جميع بلدان العالم، وهي تمكنت من عزل دولة الاحتلال وفضحها في مختلف بقاع الأرض كدولة مُجرمة عنصرية لا تكترث بالقانون الدولي والإنساني، وهي كشفت زيف القيم الأميركية والأوروبية ونفاق السياسيين الغربيين، وهي قسمت أوروبا بين مؤيد للحقوق الفلسطينية وبين مؤيد وداعم للاحتلال، وهي جعلت من مسألة التطبيع مع دولة الاحتلال أكثر صعوبة، وهي خلقت إجماعا دوليا على أهمية الحل السياسي للقضية الفلسطينية.

عسكريا، أسقطت هذه الحرب قوة ردع الاحتلال، وأرهقت جيشه المجرم، وبينت أن هزيمة هذه الدولة عسكريا مسألة ممكنة، وأنها عاجزة عن الاستمرار باحتلالها دون دعم غربي عسكري مباشر، وأن من يحمي هذه الدولة ليس جيشها وتقنياتها العسكرية المتقدمة، ولكن من يحميها هو الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وحرمان المقاومة من خطوط الإمداد.

ونضيف إلى ذلك، هذه المعركة التي كرست وحدة الساحات، قد أثبتت أن دولة الاحتلال عاجزة عن خوض مواجهه على جبهات متعددة، وأن خوفها من فتح مواجهه شاملة في شمال فلسطين يكشف ضعفها ويؤكد إمكانية إلحاق الهزيمة بها.

وهذه الحرب ليست ككل الحروب التي خاضتها المقاومة سابقا بسبب حجم الدمار والقتل والإجرام الذي ارتكبته دول الاحتلال في غزة والضفة ولبنان. وهي كما قلنا مرارا وكما قال العديد غيرنا، هي حرب في أهميتها تعادل حرب العام 1948، وبالتالي يَجب عدم الاكتفاء بأن تكون نتيجتها هي مُجرد وقف دائم لإطلاق النار والانسحاب من غزة أو إفشال أهداف الاحتلال.

هذه الحرب سقفها الأعلى يجب أن يكون إنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ العام 1967، وسقفها الأدنى يجب أن يكون رفع الحصار الكامل عن غزة ووقف الاستيطان في الضفة الغربية.

من الواضح أن السقف الأعلى لهذه الأهداف لن يتحقق في هذه الحرب طالما أنها مقتصرة على غزة ولكنها يُمكن أن تتحقق إذا ما غامر الاحتلال بحماقة بتوسيع الحرب لتشمل لبنان. عندها ستتغير معادلات القوة بشكل استراتيجي ولن يكون من الممكن وقف الحرب دون ترتيبات سياسية تنهي الاحتلال للأراضي الفلسطينية والعربية لضمان استقرار المنطقة لعدة عقود قادمة.

هذا احتمال ممكن في ظل وجود قيادة متطرفة «غير عاقلة» في دولة الاحتلال.

لكن الأهداف بسقوفها الدنيا، وهي بالإضافة إلى الأهداف الأربعة المعلنة من قبل المقاومة، رفع الحصار عن غزة ووقف الاستيطان، يُمكن تحقيقها.

هي بحاجة إلى مسألتين: استمرار الصمود في حرب استنزاف دولة الاحتلال، والحصول على مباركة وتأييد ودعم هذه الأهداف من قبل باقي أضلاع محور المقاومة، ولا أظن أنهم سيمتنعون عن منحهم لهذا التأييد قولا وفعلا إن جعلته المقاومة الفلسطينية أحد أهدافها.

دعوني أوضح أهمية تضمين رفع الحصار ووقف الاستيطان كأهداف لوضع نهاية لهذه الحرب.

تخيلوا سيناريو تقبل فيه إسرائيل بشروط المقاومة المعلنة: وقف دائم للحرب وانسحاب من قطاع غزة وعودة فلسطينيي القطاع لبيوتهم غير الموجودة فعليا، وإعادة الإعمار.

الاحتلال في هذه الحالة سينشغل في مسألتين: جعل عملية إعادة الإعمار بطيئة ومستحيلة في ظل سيطرته المطلقة على معابر القطاع، والانشغال ثانيا في مصادرة أراضي الضفة الغربية وضمها بشكل تدريجي لدولته. المقاومة ستعمل من جانبها على إعادة ترميم قدراتها، وهي وللظروف الإنسانية الصعبة التي خلقتها هذه الحرب لن تغامر بفتح معركة جديدة لعدة سنوات قادمة.

في المحصلة المعاناة ستستمر في قطاع غزة لعقود، والمقاومة ستنشغل في تخفيف هذه المعاناة، بينما خسارتنا في الضفة الغربية ستكون كبيرة.

وقف الحرب دون رفع الحصار ودون وقف الاستيطان في الضفة يعني إعطاء الاحتلال الوقت والفرصة، على الرغم من اضمحلال قوة ردعه وإنهاك قواته وعزلته الدولية، لاستعادة عافيته العسكرية والسياسية، وتثبيت أقدامه في الضفة الغربية، وسيغلق المسار السياسي لإنهاء الاحتلال بانتظار الحرب التالية.

لكن وقف الحرب بفرض معادلة رفع الحصار عن القطاع ووقف الاستيطان، سيجعل من إعادة الإعمار مسألة ممكنة وسريعة وسيترك الطريق مفتوحة لمسار سياسي يُمكن أن يؤدي في ظل الضغوط الدولية لإنهاء الاحتلال.

باختصار شديد، الفلسطينيون بحاجة لانتصار سياسي في هذه المعركة إذا ما أرادوا وضع حد للاحتلال الإسرائيلي لأرضهم، وليس فقط لإفشال أهداف دولة الاحتلال.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى