في خطوة غير مسبوقة، أصدر الدكتور سلمان الدايه، أحد أبرز العلماء في غزة، فتوى قوية يدين فيها هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر العام الماضي والتي أدت إلى اندلاع حرب مدمرة على غزة، مؤكدا أنه هجوم يتعارض مع المبادئ الإسلامية للجهاد، وهو ما أثار ردود فعل واسعة داخل القطاع وفتحت باب النقاش حول التبعات الأخلاقية والسياسية لأفعال حماس.
وعلى الرغم من أن الدكتور الدايه، العميد السابق لكلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية التابعة لحماس في غزة، يعد أحد أبرز العلماء الذين يمثلون السلطة الدينية في القطاع، وأن رأيه الشرعي له ثقل كبير بين سكان القطاع البالغ عددهم مليوني نسمة، إلا أن فتواه لقيت انتقادات واسعة من قبل حماس ومناصريها بسبب ما أسمته “انتهاك المبادئ الإسلامية التي تحكم الجهاد”.
وبحسب الفتوى، فإنه “إذا لم تتوفر أركان الجهاد أو أسبابه أو شروطه فلابد من تجنبه حتى لا نُهلك أرواح الناس، وهذا أمر يسهل على الساسة في بلادنا تخمينه، لذا كان لابد من تجنب الهجوم”، لتصبح انتقادا محرجا من شأنه أن يلحق الأذى بحماس، خاصة وأن الجماعة غالبا ما تبرر هجماتها على إسرائيل بأنها تنفذها بوازع ديني، وذلك من أجل حشد دعم المجتمعات العربية والإسلامية.
واكتسبت معارضة الدايه لهجوم حماس أهمية خاصة، إذ تعتبر صيحة للمكلومين في غزة، الذين اقنعتهم حماس طوال السنوات الماضية، أن الفقر يقربكم من الله، وأن الموت يجب أن يكون أسمى أمانيكم، وأنه كلما ضحيت في بيتك المدمر وأبنائك الشهداء كلما تقربت من الفردوس الأعلى، لكن فتوى الدايه ترى أن “الإنسان أغلى عند الله من مكة”، وهنا أساس الخلاف.
إنها فلسفة الحياة لمن يدرك حقيقة وجود الانسان في هذه الدنيا، إن الحياة أعظم وأرقى من الموت، وإن الروح هبة الخالق، فمتى يخرج عالم إسلامي ويفتي بأن هستيريا الموت والانتحار الجماعي يخالف الشريعة الإلهية؟
إقرأ أيضا : ترامب والسياسة الخارجية الأميركية
حسنا إذن، لمن اعترضوا على فتوى الشيخ الداية، ألم تعجبكم فتواه لأنها عارضت تنظيمكم الذي تعتبروه صنما يعبد من دون الله؟ في الوقت الذي لامست فتواه قلوب كل النازحين والمسحوقين في غزة، وهي من جوهر وصميم الفقه الاسلامي، وهي أيضا من مقاصد الشريعة وروح الإسلام، ألا ينبغي عليكم تقبل الرأي الآخر حتى لو خالفكم، وترك الحزبية المقيتة، وترك الحكومة والسلطة لغيركم رحمة بالناس الذين تدمرت كل حياتهم بسبب طوفانكم الذي اغرقتم به الناس وكل شيء؟، لكنني لم أتفاجأ من طعن حماس وأبنائها في فتواه، فقد طعنوا في كلام شيخهم القرضاوي من قبل، لأنهم يعتقدون أنفسهم بأنهم آلهة، والآلهة لا تخطيء!
لم أكن أتوقع من سياسي حمساوي هذا القذف لكل من يتوجع لفداحة المصاب في قطاع غزة، بالعمالة والنفاق والجبن والضعف لمجرد أن يقول ليتنا بقينا على الحال الذي كنا عليها قبل نازلة الحرب، فهذه توجعات الأكثر من الناس، بعدما ذهبت بيوتهم وفقدوا أحبابهم وتلون فيهم الابتلاء، فلا أظن أحدا من أهل غزة أيا كان حزبه أو لونه لم يقل ذلك ولو في قلبه، ألا يجب أن تكون هذه الفتوى نقطة تحول أو “نصيحة” لقادة حماس لتغيير تفكيرهم؟ وافساح المجال أمام العقل ليقرر، بدلا من العنتريات والمكابرة والشعارات الرنانة الكاذبة؟