غزة والشرق الأوسط بين خطابي خامنئي
إيران التي أرادت التبرؤ من "طوفان الأقصى" في بدايته تجنباً لتعرض أراضيها ومواطنيها لهجمات انتقامية من قبل إسرائيل، تحث الآن حركة "حماس" وتدعو إلى رفض وقف إطلاق النار وتطالب سكان غزة بدفع مزيد من أرواحهم ثمناً لقضيتهم
سارع المرشد الإيراني علي خامنئي بعد ثلاثة أيام من عملية “طوفان الأقصى” إلى نفي أي صلة لبلاده بها، وقال في كلمة متلفزة إن من وصفهم بـ”أنصار النظام الصهيوني” نشروا “إشاعات الأيام الثلاثة الماضية تقول إن إيران تقف وراء عملية حركة ’حماس‘، لكنهم مخطئون”.
هذا النفي أكده الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني حسن نصرالله في خطاب مطول برأ فيه إيران من أي علاقة بما أقدمت عليه “حماس” في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
وبعد ثمانية أشهر أي في يونيو (حزيران) الجاري ألقى المرشد الإيراني في مناسبة الذكرى الـ35 لرحيل مؤسس النظام الإيراني الخميني خطاباً مهماً، لجهة التوقيت والقضايا التي تناولها، فقد جاء الخطاب ليوضح دور إيران سواء قبل اندلاع “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر أو التداعيات في ما بعد أو حتى موقف “حماس” الآن من وقف إطلاق النار والتوصل إلى هدنة مع إسرائيل.
وتحدث خامنئي عن تركيز الخميني منذ اليوم الأول على قضية فلسطين، وأن رؤيته لحل القضية تتحقق تدريجاً، كما أكد المرشد الإيراني ضرورة عدم عقد الآمال على مفاوضات التسوية، وحضور الشعب الفلسطيني في ميدان العمل، وإحقاق الحق، ودعم جميع الشعوب بخاصة الإسلامية للشعب الفلسطيني، خلاصة رؤى الإمام لانتصار الشعب الفلسطيني، ثم تطرق خامنئي إلى مهمة “طوفان الأقصى”، فقال إنها كانت بالغة الأهمية لتلبية الحاجات المهمة للمنطقة، وتوجيه ضربة قاصمة للكيان الصهيوني ووقف خطة واسعة لتغيير معادلات المنطقة وروابطها.
حاول في الخطاب الأول التبرؤ من “طوفان الأقصى” ونفي أي علاقة لإيران بالعملية حرصاً على تفادي إيران لأي أعمال انتقامية إسرائيلية من جهة ومن جهة أخرى لتجنب أي توترات مع واشنطن، لا سيما أن طهران وواشنطن كانتا في خضم محادثات غير مباشرة ثم جاء هجوم “حماس” ليوقفها موقتاً.
أما الخطاب الثاني، فاستطرد فيه خامنئي ليس لربط بلاده بالقضية الفلسطينية فحسب، بل أوضح كذلك كيف خدمت “طوفان الأقصى” أهدافاً كانت تعتبرها إيران تهديداً لها، فقال إن الهدف منها كان إيقاف أي عمليات تحسين العلاقات مع إسرائيل، أو محاولات أميركية لبناء تحالفات أميركية ضد التهديدات الإيرانية في المنطقة.
الأمر المهم هنا هو رسالة خامنئي في الغالب لحركة “حماس” التي قال فيها إنه يرفض وقف إطلاق النار ولا بد من استمرار الوجود في الميدان. وجاءت هذه الكلمة في أعقاب طرح الرئيس الأميركي جو بايدن مقترحاً لوقف إطلاق النار من ثلاث مراحل وكان رد “حماس” إيجابياً تجاه المقترح، ثم جاء تعنت الحركة وانقسام الموقف بين المكتب السياسي والجناح العسكري لـ”حماس” ليعرقل جهود الدول العربية المنتظمة في الوساطة والساعية إلى وقف إطلاق النار والتوصل إلى هدنة لإنهاء الكارثة الإنسانية التي يعيشها سكان غزة على مدى ثمانية أشهر.
أي أن إيران التي أرادت التبرؤ من عملية “طوفان الأقصى” في بدايتها تجنباً لتعرض أراضيها ومواطنيها لهجمات انتقامية من قبل إسرائيل، تحث الآن حركة “حماس” وتدعو إلى رفض وقف إطلاق النار وتطالب سكان غزة بدفع مزيد من أرواحهم ثمناً لقضيتهم.
لذا تنبع أهمية أخذ خطاب خامنئي الأخير بما فيه من توصيف وما يمكن أن نطلق عليه رسائل إلى بعض الأطراف الإقليمية ومنها “حماس” كونه يبرز ما إذا كانت سياسات إيران نابعة من تصوراتها ومتعمدة أو أنه تم دفعها إلى القيام بتلك السياسات، وكذلك الأمر ينطبق على التداعيات المترتبة على عملية “طوفان الأقصى” وما تلاها من العملية العسكرية الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة.
وفي التوقيت ذاته قام “حزب الله” في أعقاب خطاب خامنئي الأخير المشار إليه بتكثيف الهجمات بالصواريخ والمسيّرات على إسرائيل، مما أشعل الحرائق في غابات شمال إسرائيل.
إذاً تزامن ذلك التصعيد من “حزب الله” وعدم قبول “حماس” مقترح بايدن إلى الآن في أعقاب خطاب خامنئي الذي جاء في سياق تطورين مهمين، الأول هو أن مقترح وقف إطلاق النار جاء بدعم أميركي يريد أن ينجزه بايدن في سبيل إخماد موجة السخط الشبابي الطلابي ضده في الجامعات الأميركية، إذ يشكل الطلاب والشباب شريحة مهمة يعتمد عليها بايدن في الانتخابات المقبلة في مواجهة خصمه دونالد ترمب.
والتطور الآخر هو تهديد بريطانيا وفرنسا وألمانيا بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن خلال اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعدم امتثال إيران للوكالة في ما يخص البرنامج النووي، مما يعني تفعيل آلية “سناب باك” التي ستعيد العقوبات الأممية والأوروبية التي كانت رفعت عن طهران عام 2015.
ومن ثم في إطار محاولة إيران لتشبيك الملفات الإقليمية بمصالحها الوطنية وتحسين شروطها عند التفاوض مع واشنطن سعت إلى عرقلة جهود الوساطة التي تقوم بها الدول العربية كمصر وقطر وجهود دول السداسية العربية من أجل وقف إطلاق النار في أسرع وقت، كما تريد إيران أن تكون موجودة على الطاولة ضمن أي تسوية سياسية تتعلق بغزة، ومن هنا جاء الخطاب التحريضي لخامنئي.