ثمة أنباء مقلقة للغاية تتحدث عن اعتزام الولايات المتحدة نشر قوات في المناطق التي تقع تحت سيطرة الشرعية على البحر الأحمر، بذريعة تدريب القوات المتواجدة هناك وبمسميات عديدة.
الهدف المعلن هو مساعدات القوات “شبه الحكومية” على فرض سيطرة عسكرية وأمنية وحماية الملاحة الدولية في هذه المنطقة الحيوية. فيما ينصرف جزء من مهام القوات الأمريكية نحو مباشرة رقابة على الأنشطة غير المشروعة وعلى رأسها عمليات التهريب.
طيلة السنوات الماضية من الحرب عطلت الولايات المتحدة كل الجهود الهادفة لاستعادة العاصمة صنعاء وأوقفت جيش الشرعية على مشارفها، ومنعت استعادة مدينة وموانئ الحديدة وتعمدت فرض تفاهمات عززت من المكانة السياسية والعسكرية وحتى القانونية لسيطرة الجماعة الانقلابية على محافظة الحديدة، وعلى جزء من الصلاحيات الدستورية الحصرية للحكومة عبر تفاهمات إضافية توافقت مع هدنة مراوغة لم تمنع الاقتتال ولم تجلب السلام.
أيها السادة لقد جاءت هذه الأنباء بعد فترة وجيزة من مقترح عرضته الإمارات لدمج قوات ما يعرف ب”تحالف الإزدهار” مع قوات محلية يمنية تتوزع على مشاريع سياسية سلطوية وانفصالية وتهيمن على الجزء الحيوي من جنوب البحر الأحمر والجزء الغربي لخليج عدن.
في السابق شكل التعاون الأمريكي الإماراتي في مجال ما يعرف ب “مكافحة الإرهاب” عبر غرفة عمليات مشتركة مقرها مطار الريان الدولي، ذريعة لفرض أجندات مدمرة للمشروع الوطني ساهمت بشكل واضح في تحييد الأهداف الدستورية والقانونية والأخلاقية لتدخل ما كان يعرف ب “تحالف دعم الشرعية”،.
وأثمر ذلك التعاون في إنتاج واقعٍ سياسيٍ جديدٍ؛ دفع بالبلاد نحو خيارات التفكيك والشرذمة، عبر تخفيف التهديدات والضغوط العسكرية على جماعة الحوثي الانقلابية ذات النزعة الطائفية الصريحة، وتمكين الأقلية الموتورة من دعاة الإنفصالية المشهد الجنوبي، بكافة أوجه الدعم المالي والعسكري واللوجستي،.
وقد رأينا كيف تحول هذا المشروع إلى بازار كبير للمتاجرة بالمشاعر الوطنية وتحييد القوى الشريفة في المحافظات الجنوبية والتعطيل المتعمد لجهود استعادة الدولة وبناء نموذج حقيقي ومشرف للدولة في المناطق المستعادة.
اقرأ أيضا| عودة ترامب: تأثيرات سياسية وتحديات أمنية تجاه الحوثيين
لم تظهر واشنطن النية الصادقة في تحقيق أهدافها عبر ما يعرف بتحالف “حارس الإزدهار”، فقد تخادمت مع الأجندة الحوثية بامتياز، بما لا يوفر دليلا واحدا على تغير جوهري وأخلاقي في المهمة الأمريكية في منطقتنا والتي تصب في خدمة جرائم الاحتلال الإسرائيلي وعلى رأسها جريمة الإبادة الجماعية ضد سكان قطاع غزة.
وإذا صحت الأنباء بشأن نوايا الولايات المتحدة التواجد في جزء من أراضي الجمهورية اليمنية؛ للاستمرار في أنشطة عسكرية بصيغة جديدة على الأراضي اليمنية، فإننا أمام تطور جيوسياسي خطير يرمي إلى تحويل تحالف “حارس الإزدهار” إلى تحالف لحراسة المشاريع المشبوهة التي تهدد وجود الدولة اليمنية.
إن واشنطن تثبت مرة أخرى نيتها تكريس ضعف الدولة اليمنية والاستثمار في الكيانات والتشكيلات العسكرية التي تعمل خارج نطاق هذه الدولة، وهذه المرة لفرض سيطرة على منطقة جنوب البحر الأحمر، عبر صيغة فضفاضة من الشراكات الدولية والإقليمية التي ستضمن رسوخا أكبر للمشاريع السلطوية والانفصالية، تماما مثلما أسهمت الأنشطة العسكرية الحوثية في البحر الأحمر من بناء سمعة جيوسياسية وأخلاقية لهذه الجماعة المنبوذة وطنيا.
يبدو أن واشنطن ماضية في إنفاذ نواياها السيئة لاستباحة بلدنا وتسمين الضباع الإقليمية و المحلية، وتمكينها من افتراس الدولة اليمنية قطعة قطعة.
لا يوجد سوى طريق واحد لبناء شراكات تتأسس على الحرص المشترك، وتضمن الممر الملاحي الدولي وهو التعاون مع الدولة اليمنية المركزية، ووقف السياسات التي ساهمت في إضعافها ، وإظهار الاحترام الكامل للشعب اليمني وإرادته المطلقة في استعادة دولته، والأخذ بعين الاعتبار أن السلطة الشرعية تستمد شرعيتها من كونها تمثل شعبا يرفض رفضاً قاطعا جريمة الإبادة التي تمولها الولايات المتحدة في كل من غزة والضفة الغربية ولبنان.