غزة

الإرهاصات العسكرية والسياسية بعد عملية النصيرات

الرصيف البحري الأميركي العائم، من الواضح أنّه سيلعب في المستقبل القريب دورا محوريا في تهجير الفلسطينيين الطوعي من غزّة مع توفير كافة التسهيلات لهم وعدم دفع مبالغ كبيرة للخروج من القطاع. وسيكون تهجيرا تدريجيا، أي أنّه على طريقة اليمين الإسرائيلي الوسطي.

داخل شاحنة للمساعدات قادمة من الميناء الأميركي العائم، تخفّت قوات إسرائيلية وأميركية خاصة لتحرير 4 رهائن إسرائيليين من داخل مخيم النصيرات، وعادت إلى الميناء العائم بعد هذه العملية المعقدة والتي خسرت فيها قائد إحدى وحدات الشرطة المعروفة باليمام، حيث كانت تنتظرها مروحية لتنقل الرهائن إلى داخل إسرائيل. وهنا يظهر الوجه الآخر لدور الرصيف البحري العائم، فهو من الظاهر أنّه أقيم لأغراض عسكرية بالدرجة الأولى وإنسانية بدرجة أقل.

يعتبر هذا اليوم من أهم الأيام في حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين العزل، فتحرير 4 رهائن كان كفيلا لرقص الناس في الشوارع وظهور احتفالات النصر المبكّرة. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هو أوّل من حصد ثمار عملية التحرير، فقد عادت حكومته إلى التماسك واكتسبت المزيد من الشرعية والشعبية داخل المجتمع الإسرائيلي ذي السمة اليمينية المتشددة بشكل جلي، فهو يؤمن بأنّ هذه هي أفضل الطرق لتحرير الرهائن، لا طريق المفاوضات أو التنازلات كما يسمونه، ليس مهما لدى المجتمع الإسرائيلي عدد الفلسطينيين الذين تم قتلهم عمدا أثناء عملية تحرير الرهائن، لكن الأهم أنّهم استعادوا الرهائن من بين فكي الأسد ورغما عن أنف حماس بشكل خاص والفلسطينيين بشكل عام.

من اليسير القول إن هذه العملية ستدفع جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى استنساخها في مناطق وأماكن أخرى، وبشكل أوضح إلى السعي الدؤوب لتبني الحل العسكري مهما كان باهظا ومؤلما ومكلفا بشريا وماليا، فهو بنظره الحل الأفضل حاليا وهو يسعى لاعتماده كرديف للحل السياسي، وإن نجح الاحتلال، لا قدر الله، في عملية مشابهة لهذه العملية السالفة في مدى زمني قصير في قادم الأيام، فسيعتمد ذلك كحل وحيد لتحرير كافة الرهائن والأسرى الإسرائيليين من قبضة الفصائل الفلسطينية المقاتلة داخل قطاع غزّة.

رحبت الولايات المتحدة وفرنسا بعملية التحرير سابقة الذكر، ولكنهما لم تتطرقا إلى المجازر التي وقعت إبان هذه العملية للتغطية عليها، فهناك أكثر من مئتي وعشرين شهيدا فلسطينيا سقطوا بسبب القصف الإسرائيلي المجنون على مخيم النصيرات وسوقه الشعبي الذي كان مكتظا بالناس.

وجد رئيس الوزراء الإسرائيلي ضالته المفقودة في هذه العملية، وسيبذل قصارى جهده لجعلها السبيل اليتيم لاستكمال إعادة باقي الرهائن والأسرى، فهي ترفع من شعبيته وتحافظ على حكومته وتزيد من صلابتها، الحكومة التي كانت مهلهلة فقط منذ يوم واحد، وفي الوقت ذاته ستكون مبررا لعدم إيقاف الحرب، وهذا الأمر هو غاية أمانيه.

لم تكن هذه العملية بمثابة صفعة وجهت لليمين الفلسطيني فقط، بل أيضا لليسار الإسرائيلي ودعاة السلام في المجتمع الإسرائيلي كونها أضعفت موقفهم سياسيا وهذا ما يخدم اليمين المتشدد ويساعده على إسكات كل مناوئيه سواء داخل الحكومة أو خارجها.

إن المقاصد الإسرائيلية من هذه الحرب كانت واضحة للعيان، وهي تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزّة وتعزيز كافة الأسباب المنطقية لهذا التهجير، كانعدام السكن والطعام والماء والدواء وهدم المدارس والجامعات والكنائس والمستشفيات والمستوصفات، وإلى حد اليوم هاجر أكثر من مئة ألف فلسطيني القطاع، والعقل يقول لن يكون هناك أي سبب منطقي لعودتهم، في ظل عدم وجود نيّة إسرائيلية واضحة لإنهاء الحرب أو حتى جدول زمني موثوق لاستمرار وقف إطلاق النار.

كانت هذه المقاصد تنتظر الذريعة المناسبة، فاليمين الإسرائيلي المتطرف يريد القضاء بشكل كامل على القضية الفلسطينية، أي دفعة واحدة، كنتنياهو وإيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، ويريد طرف آخر من اليمين الإسرائيلي كبيني غانتس ونفتالي بينيت القضاء على القضية الفلسطينية بالتقسيط، أي عبر مراحل.

وبالعودة إلى الرصيف البحري الأميركي العائم، من الواضح أنّه سيلعب في المستقبل القريب دورا محوريا في تهجير الفلسطينيين الطوعي من غزّة مع توفير كافة التسهيلات لهم وعدم دفع مبالغ كبيرة للخروج من القطاع. وسيكون تهجيرا تدريجيا، أي أنّه على طريقة اليمين الإسرائيلي الوسطي.

وفي هذه الأثناء تواصل إسرائيل حربها ومجازرها بشكل يومي رغم قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية بإنهاء اجتياح مدينة رفح جنوب القطاع، واتخاذ كافة الإجراءات لمنع وقوع أعمال “إبادة جماعية”، وتحسين الوضع الإنساني المزري في غزة، ولكن لا شيء مما سبق يحدث سوى قتل الفلسطيني أو إرغامه على مغادرة قطاع غزّة الكسير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى