في موسم الأضاحي، تتجه الأنظار نحو الأضحية نفسها، لكنْ، قليلون من يلتفتون إلى العمال الذين يقفون خلف كواليس هذا العمل الشاق، عمال المزارع والمسالخ، هؤلاء الذين يعملون بلا كلل لضمان وصول الأضحية إلى منازلنا بأمان وكفاءة.
في هذا الوقت الموسمي، تتحد الظروف القاسية مع الحاجة الملحة للعمل الدقيق والمتقن، عمال المزارع يعملون تحت أشعة الشمس الحارقة، يروون تجاربهم بالعرق والجهد لجني محصول الأضاحي، متحدين التحديات الجوية والظروف البيئية المتقلبة.
في المقابل، عمال المسالخ يقفون على خطوط الإنتاج، يعملون باجتهاد لتجهيز وتقطيع الأضاحي بدقة وسرعة، يواجهون التحديات التقنية وضغوط الإنتاج، مع تأمين تدابير السلامة والنظافة التي تحفظ صحة الأضاحي وسلامة المستهلكين.
وعلى الرغم من أهمية دورهم، يجد عمال القطاع نفسهم غالباً في مواجهة تحديات اجتماعية وقانونية، فيتعرضون للاستغلال وسوء المعاملة، بما في ذلك ساعات العمل المفرطة ورواتب غير كافية، حيث يفتقرون إلى التأمين الصحي والحماية القانونية التي تضمن حقوقهم الأساسية.
بحسب دراسات حديثة، يعمل العديد من عمال القطاع بدون عقود وبدون حقوق عمل محددة، مما يزيد من هشاشة وضعهم المعيشي ويعرضهم للمخاطر المتعددة.
وتشير التقارير إلى أن نسبة كبيرة منهم يعيشون في حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي، مع تقديم حماية قانونية واجتماعية ضرورية.
ووفقًا لإحصاءات منظمة العمل الدولية، يعمل أكثر من 1.2 مليون عامل في مزارع وذبح الأضاحي في الدول العربية خلال موسم الأضاحي، ويضطر هؤلاء العمال إلى التعامل مع ظروف عمل قاسية للغاية، من ساعات عمل طويلة تصل إلى 16 ساعة يوميًا، إلى أجور زهيدة لا تتناسب مع حجم الجهد المبذول.
وفي كثير من الأحيان، يتعرضون للإساءات البدنية والنفسية على أيدي أصحاب المزارع والمسالخ دون أن يجدوا من يدافع عنهم، شأنهم شأن ملايين العمال البسطاء في المنطقة العربية، يُنظر إليهم كأدوات إنتاج رخيصة لا حقوق لهم.
فالكثير منهم من العمال المهاجرين الذين يأتون من دول الجوار بحثًا عن لقمة العيش، ما يجعلهم أكثر عرضة للاستغلال والاعتداء، ويتحول موسم الأضاحي بالنسبة لهم إلى جحيم طويل يكافحون فيه من أجل البقاء.
ولكن هل هناك من يسمع صوتهم؟ ومن يقف إلى جانبهم ويطالب بتحسين ظروف عملهم وحماية حقوقهم الأساسية؟
معظم المنظمات العمالية والحقوقية في المنطقة تركز جهودها على قضايا العمال في المدن الرئيسية، وتهمل هذه الفئة المنسية من العمال الموسميين لذا، لا بد أن تتضافر جهود الحكومات والمنظمات الإنسانية لوضع خطط عاجلة لحماية حقوق هؤلاء العمال، من خلال ضمان الحد الأدنى للأجور وساعات العمل، والقضاء على الممارسات المهينة والاعتداءات البدنية، فهم بحق أبطال مجهولو الهوية يستحقون منا جميعًا الاعتراف بتضحياتهم والوقوف إلى جانبهم.
لحماية حقوق عمال المزارع والمسالخ، تدعو الجمعيات الحقوقية والمنظمات الدولية إلى تعزيز الرقابة وتنفيذ قوانين العمل المنصفة، ومن خلال تطبيق معايير العمل اللائق وتوفير ظروف عمل آمنة وملائمة، يمكن تعزيز حياة عمال القطاع وتحسين مستوى معيشتهم.
يجب أن يدرك الجميع بأن حقوق العمال في قطاع الأضاحي تمثل جزءاً أساسياً من العدالة الاجتماعية، حيث يستحق كل من يعمل بجد وإخلاص لتقديم الخدمات الضرورية، أن يتمتع بحياة كريمة ومستقرة، بعيداً عن التسلط والاستغلال الذي يمكن أن يهدد كرامتهم واستمراريتهم.
في السنوات الأخيرة، لفتت ظروف عمل العاملين في قطاع الأضاحي في العالم العربي الانتباه على الساحة الدولية، هذا القطاع المهم والحساس يعتمد على عمالة غالبًا ما تكون مهاجرة وفي وضع هش، مما جعل هذه الفئة عرضة لانتهاكات وظروف عمل قاسية.
في ظل هذه التحديات، برزت عدة مبادرات عربية ودولية سعت لمعالجة هذه المشكلة والنهوض بحقوق هؤلاء العمال.
على الصعيد العربي، أطلقت منظمة العمل العربية في عام 2021 مبادرة “كرامة العامل” والتي ركزت على تحسين ظروف العمال المهاجرين في المنطقة عبر وضع معايير موحدة للحد الأدنى للأجور وساعات العمل وتوفير السكن اللائق.
وأطلقت جامعة الدول العربية في عام 2022 برنامجًا إقليميًا لتحسين ظروف العمالة المهاجرة، بهدف تطوير سياسات واستراتيجيات وطنية لحماية العمال المهاجرين، بمن في ذلك العاملون في قطاع الأضاحي.
وفي السعودية، أطلق مركز دعم التنمية في عام 2023 مبادرة “كرامة” والتي تركز على تأهيل وتدريب العمال المهاجرين في مجال السلامة والصحة المهنية، وتوفير الدعم القانوني لهم. على الصعيد الدولي، أطلقت منظمة العمل الدولية في عام 2020 برنامج “عمل لائق للجميع” بهدف تعزيز حقوق العمال المهاجرين في جميع القطاعات، بما في ذلك قطاع الأضاحي.
وأطلق الاتحاد الأوروبي في عام 2021 مبادرة “العمل النظيف” والتي تركز على مكافحة العمل الجبري وعمالة الأطفال في سلاسل التوريد العالمية، بما في ذلك قطاع الأضاحي.
وفي عام 2022، أطلقت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين برنامج “حماية العمال المهاجرين” بهدف تعزيز الحماية القانونية والاجتماعية للعمال المهاجرين في مختلف القطاعات.
على الرغم من أن هذه المبادرات لا تزال حديثة العهد، فإنها أسفرت عن بعض النتائج الإيجابية، مثل تبني عدد من الدول العربية تشريعات جديدة لتحسين ظروف العمل وحماية العمال المهاجرين، وزيادة الوعي والحوار المجتمعي حول قضايا العاملين في قطاع الأضاحي، وإطلاق برامج تدريبية وتوعوية للعمال المهاجرين لتمكينهم من المطالبة بحقوقهم، وزيادة تنسيق الجهود بين الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني لمعالجة هذه المشكلة.
ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه هذه الفئة من العمال، وتتطلب جهودًا مستمرة وملتزمة على كافة المستويات لضمان تحقيق تغيير حقيقي في ظروف عملهم.
وعلقت الحقوقية الأردنية، نسرين زريقات، بقولها: يدقّ العمال في قطاع الأضاحي أبواب الجدال والنضال من أجل حقوقهم المنسية والمهمشة، وتتكاتف منظمات حقوق الإنسان والنقابات العمالية لتحسين الظروف القاسية التي يعيشها هؤلاء العمال، الذين يعتبرون ركيزة أساسية في موسم الأضاحي، في قلب الأرياف وفي أكواخ ضيقة، يعمل هؤلاء العمال لساعات طويلة، بدون راحة أو إجازات مدفوعة الأجر، لضمان استقبال الأضاحي وتوفيرها للأسر المسلمة في أيام العيد، لكن وراء هذا الجهد الجبار، تكمن قصص الاستغلال وسوء المعاملة، حيث يُجبر العمال على العمل في ظروف غير آمنة، وبأجور زهيدة لا تتناسب مع تضحياتهم اليومية.
وتابعت في تصريحات لـ”جسور بوست”، تعتبر المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية السند الرئيسي لهؤلاء العمال، حيث تسعى جاهدة لإصلاح القوانين المتضاربة والممارسات الظالمة التي تعاني منها هذه الفئة العمالية، بدعم من التشريعات العادلة والضغوط السياسية المستمرة، نجحت بعض هذه المنظمات في تحقيق تحسينات طفيفة، مثل زيادة الحد الأدنى للأجور وتوفير ظروف عمل آمنة لكن التحديات لا تزال كبيرة.
وتابعت، تتطلب حماية حقوق عمال الأضاحي تكامل الجهود على جميع الأصعدة، بما في ذلك تعزيز التوعية بالحقوق وتوفير الدعم القانوني، إضافة إلى توسيع نطاق التدخل لضمان تطبيق القوانين والممارسات الإنسانية في جميع المزارع والمسالخ.
وأتمت، رغم تحسينات الأجواء والعطاءات، تظل حملة حقوق العمال في قطاع الأضاحي بحاجة إلى دعم متواصل وجهود مستدامة. فالنضال لا ينتهي، والتحسين المستمر هو السبيل لضمان عيد أضحى ينعم فيه الجميع بالعدل والكرامة.
وقال الأكاديمي وخبير القانون الدولي، نبيل حلمي، في موسم الأضاحي، يواجه عمال قطاع الأضاحي تحديات عدة تتعلق بالحقوق والظروف العملية التي يعملون فيها، القوانين والتشريعات تلعب دورًا حيويًا في حماية حقوقهم وضمان ظروف عمل آمنة وملائمة، موسم الأضاحي هو فترة حيوية يرتفع فيها الطلب على الأضاحي، مما يجعل العمال في قطاع الأضاحي يعملون بجهد شاق لتلبية هذا الطلب المتزايد، لكن مع هذا النشاط الاقتصادي، تأتي التحديات التي يواجهها العمال في هذا القطاع، منها الأجور المنخفضة، وساعات العمل الطويلة، ونقص التأمين الصحي، وغيرها من القضايا التي تؤثر على كرامتهم وسلامتهم.
وتابع حلمي، في تصريحات لـ”جسور بوست”، تحمي القوانين حقوق العمال في قطاع الأضاحي من خلال عدة آليات، من بينها تحديد الأجور الكريمة، وتشريعات تحدد أدنى مستويات الأجور التي ينبغي أن يحصل عليها العمال مقابل جهودهم في موسم الأضاحي، وضمان ساعات العمل اللائقة، وتشريعات تحدد ساعات العمل المسموح بها وتقيد عدد ساعات العمل المتطرفة التي يمكن أن يعملها العمال بدون راحة كافية، أيضًا توفير التأمين الصحي، وتشريعات تلزم أصحاب العمل بتوفير تأمين صحي شامل للعمال لحمايتهم من المخاطر الصحية المترتبة على أداء مهامهم، والسلامة والصحة المهنية، أيضًا تشريعات تضمن توفير بيئة عمل آمنة وصحية، تحمي العمال من الحوادث والإصابات أثناء عمليات الذبح والتعامل مع الحيوانات.
واستكمل، بالإضافة إلى القوانين، هناك حاجة إلى تعزيز التوعية والتثقيف بين العمال حول حقوقهم، والآليات المتاحة لهم للدفاع عن هذه الحقوق، كما يتطلب الأمر أيضًا تعاونًا فعّالًا بين الحكومات، والمنظمات الحقوقية، والمنظمات النقابية لضمان تنفيذ القوانين بشكل فعّال ومراقبة الامتثال بها.
وأتم، إن تحقيق ظروف عمل أفضل لعمال قطاع الأضاحي يعزز من كرامتهم ويساهم في تحسين معيشتهم اليومية، ما ينعكس إيجابيًا على الاقتصاد المحلي والمجتمع بشكل عام.