سجن صيدنايا يختلف عن تلك السجون التي سمعت بها؛ لأنه ببساطة عبارة عن تابوت ومركز لتحنيط الأحياء والأموات!. تستعمل فيه أغرب وأبشع طرق التعذيب، ويشرف عليه ضباط لا يعرفون الرحمة.. مدينة رعب حقيقية.
ارتبط اسم “صيدنايا” بالموت أو التعذيب أو الرعب بالنسبة للسوريين؛ بسبب مقتل أعداد كبيرة من المعتقلين داخل سجن صيدنايا الواقع في ريف دمشق، وهناك أعداد كبيرة لآخرين مختفين.
في عام 1987 أنهت الحكومة بناءه، فكان رمزًا لسطوة نظام حزب البعث الحاكم، مثل كل سجون سوريا الشهيرة، كسجن تدمر، وسجن عدرا، وسجن المزة العسكري، وسجن حلب المركزي، وتتولى إدارته الشرطة العسكرية.
يقع سجن صيدنايا قرب دير صيدنايا المسيحي التاريخي على بعد نحو ثلاثين كيلومترًا شمال العاصمة السورية دمشق، ويعدّ سجن صيدنايا أحد أشد الأمكنة العسكرية تحصينًا في البلاد على الإطلاق، ويتألف من قسمين: “السجن الأحمر”، وهو الأسوأ والأكثر قسوة، وأغلب معتقليه من السياسيين والمدنيين المتهمين بدعم “الإرهاب”، و”السجن الأبيض” وهو مخصص للعسكريين المتهمين بمخالفة القوانين العسكرية.
يتكون كل مبنى من ثلاثة طوابق، في كل منها جناحان، ويضم كل جناح عشرين مهجعًا جماعيًا بقياس ثمانية أمتار طولًا وستة أمتار عرضًا، تتراصّ في صف واحد بعيدة عن النوافذ، لكن تشترك كل أربعة منها في نقطة تهوية واحدة، ويحوي الطابق الأول مئة زنزانة انفرادية، هذا إضافة إلى مبنى الإدارة الملاصق لمبنى ألف وباء.. يقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن حوالي 30 ألف معتقل لقوا حتفهم في سجن صيدنايا تحت التعذيب، وسوء المعاملة، والإعدام الجماعي، منذ اندلاع الثورة السورية.
لا توجد إحصاءات دقيقة للمعتقلين في سجن صيدنايا، وبعضهم موجود فيه منذ الثمانينيات، لكن تقديرات منظمات حقوقية وسجناء سابقين غادروه تشير إلى أن عددهم ما بين 1200 و6000 معتقل جلهم من الإسلاميين، حتى إن مصادر تقدر نسبة الإسلاميين فيه – على اختلاف أطيافهم- بـ 98% من نزلائه.
عام 2003، اعتبرت اللجنة العربية لحقوق الإنسان سجن صيدنايا “قنبلة مولوتوف حية”، لكون السلطات الأمنية اتخذت قرارًا بإحالة كل المغضوب عليهم – ممن كانت تودعهم سجونًا أخرى- إلى هذا السجن، فتحول إلى المثل الأسوأ لما يمكن أن يكون عليه سجن، وفاقمت مأساة سجنائه حالة التعتيم التي تفرضها الدولة على ما يدور داخله، ونسيان المجتمع للمعتقلين فيه.
شهد السجن عدة حوادث أمنية، كان أبرزها الاشتباك الذي حدث بين مجموعة من معتقليه وسجانيهم في مارس/ آذار 2008، واستمر تسعة أشهر، ووصفت منظمات حقوقية ما ارتكبته سلطات السجن بحق المعتقلين بـ “مجزرة تجري بصمت”.. وقُتل في هذه الحادثة – حسب تقديرات منظمتَي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ووثائق ويكليكيس – ما بين 60 و100 سجين تقريبًا.
في فبراير/ شباط 2017، دعت منظمة العفو الدولية الأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق مستقل بشأن ما يحدث في سجن صيدنايا بريف دمشق من إعدامات للمعتقلين، وذلك بعد إصدارها تقريرًا يكشف عن قيام النظام بإعدام نحو 13 ألف شخص شنقًا بالسجن بين عامي 2011 و2015. ونشرت منظمة العفو الدولية تقريرًا يفيد بأنه في كل أسبوع يتم اقتياد من 20 إلى 50 شخصًا من زنزاناتهم من أجل شنقهم في منتصف الليل.
عام 2017، أكدت وزارة الخارجية الأميركية أنه قد تم بناء محرقة داخل السجن للتخلص من الجثث.. أحد المعتقلين السابقين في سجن صيدنايا، وكان قد شارك في مظاهرة سلمية معارضة لنظام الأسد، أخبر منظمة العفو الدولية أن المعتقلين في سجن صيدنايا كانوا يُجبرون على الاختيار بين موتهم أو قتل أحد أقاربهم أو أصدقائهم.
روى ناجٍ من هناك فظاعة ما عاش بعدما زجّ به أحد الحراس في يوم من أيام شتاء عام 2017 داخل غرفة لم يرها من قبل، وتفاجأ بشيء لطالما افتقده ألا وهو “الملح”، الذي تمنعه السلطات تمامًا عن طعام المساجين، ووجد ما لا يخطر على بال!. تجمّد الرجل رعبًا عندما تعثّر بجثة نحيلة ملقاة على الملح، وإلى جانبها جثتان أخريان، لتكون هذه التجربة “الأكثر رعبًا” في حياته في سجن يصفه معتقلون سابقون بـ”القبر” و”معسكر الموت” و”السرطان”.
إقرأ أيضا : ما يعنيه سقوط الأسد لروسيا
وذكر الرجل أن ما شاهده جعله يتشبث بمكانه غير قادر على الحركة، خصوصًا بعدما تأكد من وجود أكثر من جثّة، وقال: “كان هذا أصعب ما رأيته في صيدنايا جراء الشعور الذي عشته ظنًا بأن عمري انتهى هنا، أما عن الغرفة فوصفها بأنها مستطيلة، عرضها 6 أمتار وطولها 7 أو 8، أحد جدرانها من الحديد الأسود يتوسطه باب حديدي. وتقع في الطابق الأول من المبنى المعروف بـ”الأحمر”، وهو عبارة عن قسم مركزي تتفرع منه 3 أجنحة.
روى سجين آخر تجربة مشابهة في غرفة مختلفة تقع في الجناح نفسه من الطابق الأول من المبنى الأحمر، ووصف غرفة بعرض 4 أمتار وطول 5 أمتار، ولا يوجد فيها حمام. وبينما ناداه السجان لإطلاق سراحه فوجئ بطلب هذا الأخير منه الدخول إلى غرفة لم يرها سابقًا، ويقول إن قدميه غرقتا في مادة خشنة، فتأكد أنه ملح بعمق 20 إلى 30 سنتمترًا.
وبعدما تذوّق معتصم بعض الملح المحروم منه في السجن، سرعان ما وقعت عيناه على 4 أو 5 جثث ملقاة في المكان، ويقول: “شعور لا يوصف، أصعب من لحظة الاعتقال.. قلت لنفسي سيعدمونني الآن ويضعونني بينهم.. أنا أساسًا أشبههم”!. كما أكد أن الجثث كانت تشبه المومياوات، وكأنها محنطة، وكانت عبارة عن هيكل عظمي مكسوٍ باللحم يمكن أن يتفكّك في أي لحظة.
وهناك عدة روايات أخرى مرعبة لا يتسع المقام هنا لذكرها كلها.. أتمنى أن أكون قد عرّفتكم ولو قليلًا بهذا السجن المرعب.