سياسة حماس.. هل تعتمد على زيادة الضحايا لكسب التعاطف؟
بحساب بسيط نستطيع أن نضاعف الأرقام الحالية على الأقل وسنصل إلى نتيجة سريعة، هذا من ناحية الخسائر البشرية ومقدرات الشعب الفلسطيني، أما بالنسبة إلى القدس فمن المنطقي أن نقول ربما يكون المسجد الأقصى قد هدم ولم يعد له وجود.
دائما يحمّل الشعب الفلسطيني فوق طاقته، ويلام لو أن صوتا عبر عن رأيه وخالف الصورة النمطية الداعية لتبني المقاومة المسلحة. فخيرًا فعل الشعب الفلسطيني في مناطق الضفة الغربية ومدينة القدس والداخل المحتل، بعدم الانخراط في صراع دموي مع إسرائيل كما حدث في قطاع غزة بناء على دعوة محمد الضيف في خطابه الأول والوحيد يوم 7 أكتوبر الماضي.
الفلسطيني بفطرته اتخذ القرار بعد أن رأى ما يحدث لشعبنا من مجازر ومناهج إبادة في قطاع غزة، وبالرغم من أن بعض الأطراف، وعلى رأسها حماس ومن يساندها من قنوات إعلامية ومروجين وناشطين كثر في مواقع التواصل الاجتماعي، تسعى بكل قوة لجلبه لهذا الصراع الدموي، عبر التحريض المستمر والمطالبة الدائمة لأهل الضفة الغربية والقدس.
وفي الداخل بالانخراط والانتفاض نصرة لإخوانهم، واتهام كل من لم يتحرك بعد دعوة “رئيس أركان القسام” بأنه متخاذل وخائن وما إلى ذلك من توصيفات يتهم بها كل من يقول رأيا مخالفا لحماس ومنظومتها الإخوانية، ولكن هذا لم يحدث ليس لأن السلطة الفلسطينية – والتي لا تملك القدرة على منع أكثر من مليوني فلسطيني من التعبير عن رأيهم – تمنعهم كما يسوّق البعض، ولكن لأن الشعب الفلسطيني شعب ناضج، تعلم من التجارب السابقة، ويعرف أنه لا يجب على الجميع أن ينخرط في القتال، ولكن هناك من يقاتل وهناك من يساند وهناك من يحافظ على ديمومة واستمرار هذا الشعب في نضاله العادل، وهناك من يدافع عنه في المحافل الدولية وهناك من يزرع ليأكلوا.. وهناك، وهناك.
إن العبثية التي تعاملت بها حركة حماس في هذه الأحداث تدل على قصر النظر، وانعدام الخبرة والانسياق وراء الشعارات وخدمة أجندات خارجية لا تريد الخير للشعب الفلسطيني.
فماذا لو كان كل الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس والداخل في نفس الوضع الذي تعاني منه غزة؟
بحساب بسيط نستطيع أن نضاعف الأرقام الحالية على الأقل وسنصل إلى نتيجة سريعة، هذا من ناحية الخسائر البشرية ومقدرات الشعب الفلسطيني، أما بالنسبة إلى القدس فمن المنطقي أن نقول ربما يكون المسجد الأقصى قد هدم ولم يعد له وجود. أما من جانب إعطاء إسرائيل ذرائع إضافية للإمعان في معاقبة شعبنا وتهجيره خارج أرضه وتدمير مدنه وقراه، فنقول إن الأمر بالنسبة إلى إسرائيل في الضفة الغربية أسهل بكثير من قطاع غزة، وسيمر مرور الكرام على العالم، وذلك لوجود المساحات الكافية لتهجير السكان من منازلهم من أجل تدميرها وتمهيدا لتهجيرهم إلى الأردن! حيث شكّلت سلطات الاحتلال أكثر من 700 فرقة أمنية تطوّعية منذ عملية طوفان الأقصى، وقامت بتسليحها لقمع أي تحرّكات للفلسطينيين في أراضي 48 والضفّة الغربية والقدس حسب تقرير لوكالة رويترز.
وفي ظل وجود ميليشيات وعصابات المستوطنين الذين تم تسليحهم بما يزيد على مئتين وخمسين ألف قطعة سلاح بالإضافة إلى ما كان متوفرا في أيدي تلك العصابات منذ بداية هذه الحرب الهمجية التي تشنها إسرائيل على شعبنا، كل ذلك بخلاف جيش الاحتلال!
لقد كانت للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس تجربة سابقة خلال الانتفاضة الثانية، حيث عاثت إسرائيل فسادا وتدميرا، وأغلقت كل المؤسسات الفلسطينية في القدس الشرقية نتيجة لقرار تحويل الانتفاضة السلمية لانتفاضة مسلحة، ففقدت السلطة الوطنية الفلسطينية معظم بنيتها التحتية من مؤسسات ومقار أمنية وغيرها، وحوصر الزعيم ياسر عرفات رحمه الله في مقره على مسمع ومرأى من العالم الذي لم يحرك ساكنا، ومن ثم تم اغتياله في النهاية، كما تم اغتيال العديد من القادة من مختلف الفصائل، ولكن في ذلك الوقت تحلت غزة بالصبر ولم تنخرط إلا قليلا، تماما كما يحدث الآن في باقي الأرض الفلسطينية.
من يراهن على أنّ مزيدا من الدمار ومزيدا من الشهداء سيجعلان العالم يتحرك فهو واهم، فخلال العقود الثلاثة الماضية شهدنا مذابح وحروبا في كل مكان من العالم وراح ضحيتها الملايين ولم يتحرك العالم إلا نادرا، وأن ما نشاهده الآن من تعاطف كبير مرتبط بشكل أساسي بالحالة المزاجية للناس خصوصا في الديمقراطيات الغربية. فالسياسات الداخلية والإحباط يدفعان الناس للتمرد على حكوماتهم وأفضل طرق التمرد هي إيجاد قضية أساسية عادلة لا تستطيع السلطات أن تقف ضدها. نعم يوجد تعاطف كبير مع الشعب الفلسطيني ولكنه من وجهة نظر عاطفية بحتة وتنطلق مما تراه على الأرض من مجازر ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني على مرأى ومسمع من كل العالم والذي ينقلها هو الفلسطيني نفسه!
والسؤال هنا هل سياسة حماس تعتمد على زيادة الضحايا لزيادة التعاطف؟ إذا كان الأمر كذلك فهذا يعتبر سذاجة. فالعالم عندما يرى القتلى من الأطفال والنساء لأول مرة ينتفض ولكن مع تكرار المشهد يصبح الأمر اعتياديا، وهذا يذكرني بما كتبه دوستويفسكي في رواية الإخوة كرامازوف “أبشع ما في الأمر هو أن الفظاعات أصبحت لا تهز نفوسنا..هذا التعوّد على الشّر هو ما ينبغي أن نحزن عليه”.
أما من الناحية السياسية، فالسؤال المهم: هو ما هو مكسبنا كشعب فلسطيني من هذه المغامرة العبثية التي قامت بها حماس؟