سوريا

عودة الحراك على طريق دمشق- أنقرة.. هل من متغيرات؟

لا يبدو أن ثمة متغيرات حاصلة على الموقف التركي المعلن منذ العام 2022، الذي يقول بضرورة الوصول إلى اتفاق فيما بين السوريين على دستور جديد للبلاد ووضع نظام انتخابي يتيح مشاركة جميع هؤلاء، ثم تفكيك البنى التحتية لـ«الإرهاب» القائم على الحدود السورية التركية وفقاً للتوصيف الذي تستخدمه أنقرة عادة في إشارة لـ«حزب العمال الكردستاني»

زاد الحديث في الأيام الأخيرة، ومن خلال أنباء غير مؤكدة، عن خطوات للتقارب ما بين دمشق وأنقرة، وخصوصاً منها ما تحدث عن لقاء عسكري مزعوم جرى بقاعدة حميميم يوم 11 حزيران الجاري، وأعلنت عنه صحيفة «آيندلق» التركية الناطقة باسم حزب «الوطن» القومي المعروف بتأييده للتقارب مع سورية، مضيفة إن اللقاء تناول «التركيز على آخر التطورات في إدلب ومحيطها»، ولكن الإعلامية التركية فاطمة أوزقان والمقربة من إدارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كتبت في زاويتها بصحيفة «ستار» مادة تفصيلية تتعلق بأولويات أنقرة السورية في هذه الآونة، معلنة عدم وجود أي اتصال على المستوى الأمني والعسكري بين أنقرة ودمشق.

وفي إطار ملف إعادة إحياء العلاقات السورية التركية، نشرت صحيفة «الوطن»، يوم الخميس قبل الماضي، تقريراً عن اجتماع عسكري تركي روسي كان قد انعقد في مدينة تل أبيض مساء اليوم الذي سبق ما نشرته صحيفة «آيندلق»، وأضاف التقرير: إن ثمة مؤشرات على وجود تفاهمات قد تفضي إلى تسليم «تل أبيض» للجيش السوري.

الحديث عن خطوات تقارب ما بين أنقرة ودمشق ليس جديداً بل يكاد عمره يتم السنتين منذ أن أعلن وزير الخارجية التركي السابق مولود جاويش أوغلو شهر آب 2022 عن نية بلاده «فتح صفحة جديدة مع سورية»، وما جرى هو أن خطوات عدة كانت قد جرت في هذا السياق لكن «العربة» كانت كثيراً ما تصطدم بـ«الأحجار» التي تراكمت على الطريق حتى بدا أن العديد منها متراكم بأحجام أكبر كلما تقدمت الأولى على هذا الأخير، ليشهد الفعل حراكاً حيناً، ثم يعقبه سكون في حين آخر، ما يشير إلى وجود قناعة راسخة لدى القيادتين بأن «التقارب» خادم لمصلحة الطرفين، وأن الاستسلام للحجارة المتراكمة قد لا يكون فعلاً من ذاك النوع.

من المؤكد هنا أن التقاربات الأخيرة ما بين أنقرة ودمشق كانت نتاجاً للوساطة العراقية التي أفصح عنها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في مقابلة له نشرتها صحيفة «خبر تورك» يوم 31 من شهر أيار المنصرم، ولذا فإن قوة الدفع التي يمكن للعربة أن تكتسبها تظل محكومة بقدرة بغداد على تأمين ما يلزم للفعل، ثم بقدرتها على إزالة «الأحجار» المتراكمة التي من شأنها إعاقة ذلك التأمين، وفي لحظ ذلك يمكن القول إن بغداد لا تمتلك الكثير من أوراق الضغط التي يمكن لها استخدامها في مواجهة أنقرة سبيلاً لإنجاز المصالحة، ولا يمكن هنا، تحت أي اعتبار، اتخاذ النجاح الذي حققته بغداد على طريق الرياض – طهران، كمقدمة للبناء على فعل نظير يمكن له أن يحدث على طريق دمشق – أنقرة، فالطريقان مختلفان جداً في كل شيء، ناهيك بأن الطريق الأول، أي طريق طهران- الرياض، كان مستوفياً لشروط نجاح العملية بدرجة كبيرة بعكس حال الثاني.

في التفاصيل، لا يبدو أن ثمة متغيرات حاصلة على الموقف التركي المعلن منذ العام 2022، الذي يقول بضرورة الوصول إلى اتفاق فيما بين السوريين على دستور جديد للبلاد ووضع نظام انتخابي يتيح مشاركة جميع هؤلاء، ثم تفكيك البنى التحتية لـ«الإرهاب» القائم على الحدود السورية التركية وفقاً للتوصيف الذي تستخدمه أنقرة عادة في إشارة لـ«حزب العمال الكردستاني» الذي ترى في نهجه تهديداً لأمنها القومي، ومن الواضح أن هذا الموقف فيه مما يثير الريبة ما يدفع للاعتقاد أن أنقرة تريد من خلال ذلك الظهور بمظهر من يريد الوصول إلى نقاط تلاق مع دمشق، لكن ما يجري طرحه يؤكد أن ذلك القول من الصعب له أن يلقى سبيلاً للتطبيق لاعتبارات عدة، فوصول السوريين إلى اتفاق حول دستور جديد هو شأن داخلي سوري من المفترض ألا يكون للخارج أي دور فيه، أقله وفق ما تعلنه الأمم المتحدة التي تؤكد أن الحل يجب أن يكون سورياً – سورياً، ناهيك بأن فعلاً كهذا، جنباً إلى جنب وضع نظام انتخابي جديد، يحتاج إلى فترة طويلة قد تمتد لسنوات، أما تفكيك البنى التحتية لـ«الإرهاب» فذاك أمر مختلف عليه، بمعنى أن دمشق لم تعلن إلى اليوم أن «حزب العمال الكردستاني» هو تنظيم إرهابي.

ما يدفع للاعتقاد أن الوساطة العراقية من الصعب لها أن تحقق المرجو منها لاعتبارات عدة، من بينها أن القيادة التركية ترى أن ميزان القوى القائم مختل لمصلحتها بدرجة كبيرة، وذاك أمر صحيح، وأن هذا الفعل الأخير يبرر التصلب الذي تبديه للمواقف الصادرة عنها، ومنها أيضاً، أي من تلك الاعتبارات، أن أنقرة ترى أن انشغال حليف دمشق الروسي بالجبهة الأوكرانية خصوصاً، وبالجبهة مع الغرب على وجه العموم، يفقد دمشق عاملاً كان يمكن له أن يعوض بعض الاختلال القائم في ميزان القوى السابق الذكر، وعليه فإن من الصعب التصور بأن تذهب أنقرة لإظهار بعض المرونة اللازمة لإحداث انكسار من أي نوع كان في الجدران القائمة مع دمشق، أقله وفق المعطيات الراهنة التي يصعب أيضاً تصور حدوث تغييرات وازنة فيها عما قريب.

كنتيجة، يمكن للوساطة العراقية أن تفضي إلى حدوث انفراج هنا أو آخر هناك على الساحة السورية من نوع إخلاء موقع أو أكثر انطلاقاً من حسابات تركية تريد الحفاظ على التفاهمات الحاصلة مؤخراً مع بغداد التي تمثل ركيزة هامة سوف تستند إليها أنقرة في صراعها المصيري مع «حزب العمال الكردستاني»، لكن ذلك لن يفضي إلى ركوب أنقرة عربة التسوية الشاملة مع دمشق الفعل الذي يستحيل من دونه القول إن الأزمة السورية قد دخلت مرحلة جدية لإيجاد تسوية نهائية لها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى