سقطت “سوريا الأسد”، حليف طهران بدمشق، ليمهد زوال “سوريا القديمة” نهاية “المحور”، أضحت إيران بعدها “وحيدة في الساحات” على وقع خسارتها الاستراتيجية التي لن تعوض بسهولة إثر هيمنتها لأعوام على مجريات الأحداث بسوريا.
على مدار سنوات عملت إيران على تعزيز نفوذها وتواجد قواتها في سوريا بإسناد عسكري لحكم بشار الأسد “رَجُلها” في المنطقة حيث استثمرت هناك الكثير من المال والدماء والعتاد لتمدد نفوذها وبسط مشروعها من طهران إلى بيروت.
“برا” أسوار دمشق
ربما لم تتوقع طهران خسارة ورقة دمشق بحرب خاطفة استمرت 12 يوما فقط، أيام معدودة حسمت نزاعا امتدً لـ 13 عاما، وأنهت معها حكم “آل الأسد” الذي رسم ملامح الدور السوري في منطقة الشرق الأوسط لنصف قرن.
فإيران لاعب رئيسي بالمشهد السياسي السوري، تجد نفسها حائرة بعد أن سقطت دمشق بيد الغرباء، لتُغلق بوجهها بوابة دمشق التي كانت مفتوحة على مصراعيها لتنفيذ مشروعها، أما اليوم فما قبل سقوط بشار ليس كما بعده.
أكثر من 50 ألف مقاتل تحت إمرة طهران كانوا موزعون على امتداد البلاد منذ عام 2012، فخريطة القوات الإيرانية وأذرعها تظهر حجم نفوذها العسكري بمناطق دير الزور والبوكمال والميادين شرقي سوريا أهمها الضفة الغربية لنهر الفرات والتي تحولت إلى قاعدة كبرى باعتبارها صلة وصل بين سوريا والعراق.
اقرأ أيضا.. هل انتهى المشروع الإيراني بسقوط الأسد؟
وفي البادية السورية انتشرت قواتها الرسمية والميليشيات التابعة لها وأقامت هناك نقاط تفتيش وحواجز عسكرية – لأنها الطريق البري الوحيد التي تربط شرق سوريا بجنوبها.
بجانب ذلك، تواجدت قواتها في الساحل السوري رغم محدودية نفوذها لهيمنة الروس هناك لتمتد خريطة انتشارها إلى محاور حلب وإدلب وهي من أهم القطاعات الإيرانية وتنتشر فيها قوات رسمية إيرانية بريف حلب الجنوبي وحماة الشمالي، فضلا عن وجود ميليشياتها العابرة للحدود كالفاطميون والزينبيون أو أذرعها العشائرية كلواء باقر كلهم يعملون تحت إمرة قادة إيران.
في الجنوب السوري، المتاخم للأردن ومرتفعات الجولان تتخذ ميليشيات إيران مراكز رصد متقدم تحت غطاء الجيش السوري، ويتنقل عناصرها بزيه وآلياته العسكرية، وبعد 2018 وبفضل تفاهمات موسكو وطهران التي أفضت لسيطرة الجيش السوري على تلك المناطق، تمتعت طهران بنفوذ واسع خصوصا على طول المحور بين محافظة ريف دمشق والقنيطرة.
وبفقدان طهران لـ “طاغية الشام”، تخسر إيران نفوذها الكلي في معاقلها الرئيسية بناء على تغير خرائط السيطرة والنفوذ في سوريا.
حزب الله.. نقطة انكسار طهران
إيران التي لم تستوعب بعد حجم خسائرها المتتالية، واستهداف شبكتها من وكلائها في المنطقة، بدءا من فقدانها “حزب الله” حليفها غير الحكومي، في صراعه مع إسرائيل، وهي نقطة انكسار مشروع ما يسمى بـ “محور المقاومة” الذي عملت عليه منذ نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة الخميني عام 1979.
فسوريا التي تتشارك مع لبنان حدوداً طويلة سهلة الاختراق، لعبت دوراً استراتيجياً في إمداد “حزب الله” اللبناني الذي تموّله إيران، بالأسلحة مستغلة الاضطرابات السياسية التي عصفت بحكومة دمشق التي كانت جزءا المحور، بخاصة وأن الميدان السوري كان ساحة للمواجهة بين إسرائيل وبعض الميلشيات المدعومة من طهران.
وبسقوط نظام بشار الأسد خسر حزب الله طريق الإمداد العسكري عبر سوريا، وهو ما أقرَ به الأمين العام لحزب الله اللبناني، نعيم قاسم، باعتبارها “الممر البري الاستراتيجي” الذي يربط كلاً من طهران وبغداد وصولاً إلى دمشق وبيروت، وبفقدان حلقة وصل حيوية في شبكة التحالف الإقليمي الذي يقوده الإيرانيون تفقد طهران مفاتيح دمشق في هذه المرحلة السياسية بالبلاد.
أنقرة – طهران.. صراع النفوذ
بانحسار نفوذ طهران بسوريا ما بعد الأسد، وتغير خرائط السيطرة لصالح المعارضة السورية المدعومة من أنقرة، يُفتح فصلا جديدا بالمشهد السوري بتعزيز دور تركي في الواقع السوري ويتغير معها ميزان القوى الإقليمية بالمنطقة.
لا يخفى أن تركيا هي الرابح الأكبر بتغيير النظام بسوريا وتغير قواعد اللعبة هناك، وفق ما يتهامس به مسؤولون بأروقة واشنطن بأن اللاعب الخارجي الأكثر نفوذا داخل سوريا هي تركيا.
“الباب العالي” يخطو للتمتع بنفوذ اقتصادي ودبلوماسي وعسكري لعملية تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار بالجارة سوريا لدعمهم الطويل الأمد للمعارضة السورية سياسيا وعسكريا، ناهيك عن محاربة “الوحدات” الكردية الفرع المسلح السوري لـ “حزب العمال الكردستاني”، وملئ الفراغ الإيراني بعد خسارته البوابة السورية.
المَدُ التركي بسوريا يغذي قلق طهران من مزاحمة أنقرة على مناطق نفوذها الإقليمية، وربما قد تمتد لاحقا إلى العراق ولبنان حيث تتقاطع مصالحهما وتتنافس كلا الدولتين في السيطرة وتعظيم نفوذهما هناك.
النهاية الدراماتيكية لرجل إيران في سوريا، أَربك حسابات طهران الإقليمية، بعد 4 عقود من العمل على مشروعها الذي لم يعد سالكا إذ كُسر بدمشق قبل أن يصل بيروت.