منذ يوم السابع من أكتوبر الماضي وما تلته من حرب إبادة، واتساع تداعياتها مع اتساع رقعة الحرب في الشرق الأوسط، يسعى قادة حركة حماس إلى الهروب من حقائق فرضها كيان الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة بقوة السلاح والسياسة، لتكريس سيطرة الميليشيات التابعة لمحور إقليمي على القرار الفلسطيني، تماما كما اختطفت ميليشيات تابعة لذات المحور الإقليمي دولا في المنطقة هي: العراق، اليمن، سوريا ولبنان.
قبل أيام دعا خالد مشعل إلى تجاوز اتفاقية أوسلو، وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني كاستحقاق حتمي لا يمكن الهرب منه، بحيث لا يجب انتظار نهاية المعركة للشروع في ذلك.
دعوة خالد مشعل للإطاحة بالسلطة الفلسطينية، لا تنفصل عن الخطاب العام لحركة حماس وسياساتها، التي أخذت منحى تصعيديا دافعا نحو هدم النظام السياسي الفلسطيني واستبداله بحكم الميليشيات كإحدى النتائج المحتملة للحرب، ليتم تطويع مصالح الشعب وإمكانياته خدمة لأجندات إقليمية تبحث عن زعامة سياسية ودينية للشرق الأوسط، وهو ما أكده مشعل في سياق تصريحاته عن دور إيران وتعزيزه سياسيا وعسكريا بعد هجوم 7 أكتوبر.
حماس بسلوكها السياسي وأدائها الإعلامي اليوم، تتصرف وكأنها المتحكمة في إدارة الشرق الأوسط والراسمة لخطوط سياساته، دون إدراك حقيقة مسار الحرب وخطط يومها التالي، التي تجاوزت الحركة ووجودها ليس في قطاع غزة بل وفي الإقليم، فالمفاوضات الدائرة مع الحركة ليس لأنها بمثابة دولة عظمى بل لأنها تمتلك ورقة الأسرى الإسرائيليين، وحماس تدرك أن الفصل الأخير سيكتمل بالقضاء على الجناح العسكري للحركة في غزة بمجرد تسليم الأسرى.
إصرار حكومة اليمين الإسرائيلي على استمرار الحرب للقضاء على الحركة، تقابله مماطلة حماس في عقد هدنة بالقطاع، وحسابات إيران ومحورها الذاهبة نحو عدم فتح جبهة جديدة للصراع المحتدم من أجل الإسراع بعقد صفقة شاملة مع إدارة الرئيس جو بايدن، تقابلها بقوة مؤشرات عن عودة دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، وبين هذا وذاك يعيش قادة حماس سراب نصرهم.
سراب نصر حماس هو إبقاؤها في دائرة إيران كميليشيا تتلقى أوامر تنفيذية من الحرس الثوري دون الإحاطة بعواقب ذلك على المشروع السياسي للشعب الفلسطيني الساعي لتثبيت أركان دولته، والتي اعترفت بها أكثر من 140 دولة، فإذا انهارت السلطة الفلسطينية أو تم إلغاء اتفاقية أوسلو والعودة إلى المربع الأول، يبقى التساؤل عن الأسس السياسية والقانونية لوضع الشعب الفلسطيني وحكمه.
إلى وقت قريب، تحديدا عام 1948، تم رفض قرار التقسيم؛ كحل سياسي للقضية الفلسطينية، ليتوالى قضم الأرض الفلسطينية بحروب وسياسات استيطانية ممهنجة عبر حكومات إسرائيلية سعت لضرب أي توجه لتكريس الكيانية الفلسطينية، لتأتي اتفاقية أوسلو وتحقق ذلك بمثلثها القائم على السياسة والاقتصاد والأمن، ليبدأ فصل جديد يمنع استمرارها.
وتكرارا لأخطاء الماضي بالتخلي عمّا هو متاح تحت وهم الشعارات التي تطلقها الحناجر، تسعى حماس بطموحات بائسة؛ للتضحية بالمكانة الاعتبارية والسياسية للسلطة الفلسطينية مقابل وجود ميليشياوي عبثي في الشارع الفلسطيني على غرار وجود ميليشيات محور إيران في بعض دول المنطقة، وجود لا يبني دولة ولا يحرر وطنا.
حماس تتوهم أن إيران هي بوابة عبورها إلى العالم بتثبيتها كممثل للفلسطينيين، وأن “إسرائيل نتنياهو” ستُجبر على الاعتراف بها، دون قراءة واقعية للمشهد الدولي القادم الذي سيمتلئ بعناصر يمينية في القارة الأوروبية وعودة باتت قاب قوسين أو أدنى لدونالد ترامب، مما سيضع إيران في مواجهة مصيرية ستجعلها تُضحي بأضعف حلقات محورها، حماس، في سبيل تهدئة تصعيد حرب الميليشيات في المنطقة؛ كحل لكسب بعض الوقت أمام عواصف سياسية يمينية محتملة قد تقتلع طموحاتها بزعامة شرق أوسط جديد.