رد المقاومة على مبادرة الهدنة
الهدف الاسرائيلي الفعلي من وقف الحرب يقوم على تنفيذ المرحلة الأولى من خطة بايدن فقط.
مساء الثلاثاء 11 / 6 / 2024 تسلمت الدوحة والقاهرة رد من حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية الاخرى على ( الورقة الإسرائيليّة ) التي طرحها الرئيس الأميركيّ جو بايدن نهاية شهر ايار الماضي والتي تضمنت عدة مبادئ اساسية للوصول الى صفقة تبادلٍ للاسرى ووقفٍ لإطلاق النّار في قطاع غزة.
وقد سلم الرد للإدارة الامريكية وهي تقوم بدراسته ومراجعته ولا يعني ذلك بالضرورة نجاح الوساطات لكنه يؤشر بشكل واضح الى مدى الضغوط العسكرية والسياسية والدبلوماسية والمعنوية الأميركية والعربية التي مورِسَت على الحركة بشكلٍ مباشر وغير مباشر طيلة الفترة الماضية للانخراط في انجاز الصفقة.ج
واب حركة حماس الذي سلِّمَ للأميركيين عبر الوسطاء المصريين والقطريين تضمّن بعض الملاحظات ( الطفيفة ) أغلبها تقني وغير جوهريّ تقوم على أساسِ مشروع القرار الأميركي الذي أقره مجلس الأمن الدولي مؤخرا حيث تُطالب حماس بضمانات من الوسطاء ( الولايات المُتحدة وقطر ومصر ) حولَ آلية الانتقال من المرحلة الأولى التي تشمل هدنة أثناءَ مفاوضات الأسرى الأولية إلى المرحلة الثّانيّة للوصول لوقفٍ شاملٍ لإطلاق النّار وذلك لخوف وشكوك الحركة من أن إسرائيل قد تتراجع عن كل التزاماتها بشأن وقف إطلاق النار بمجرد إتمام تبادل الأسرى الأحياء ثمتستكمل حربها بعدها.
كما طالبت الحركة بضمانات اخرى حول آلية مراقبة وقف إطلاق النّار بعد المرحلة الثّانية والتزام الجانب الإسرائيلي به وكذلك بالنّسبة لانسحاب إسرائيل الكامل من قطاع غزّة والتزامها بتطبيق ذلك دون تلكؤٍ أو التفاف على الاتفاق ومباشرة اعادة الإعمار في الوقت المحدد بضمانات الأمم المتحدة والوسطاء العرب ومشاركتهم المباشرة في عملية إعادة الإعمار مع الاخذ بعين الاعتبار الانقسامات السياسية الداخلية في إسرائيل قد تؤدي إلى زياد تعقيد الجهود الدبلوماسية الأمريكية والعربية.
الرد التفصيلي للمقامة على المقترح الامريكي جاء بالتنسيق التام بين جناحي حماس في الداخل والخارج وبالتنسيق مع أمين عام حركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة وإن كافة التعديلات والملاحظات اطلع عليها قائد الحركة في غزة يحيى السنوار وهذا كان أحد أسباب الرئسية في تأخر الرد إلى جانب اهوال مجزرة النصيرات التي جاءت لتحقيق أهداف متعددة لنتنياهو ووزير دفاعه غالانت وللرئيس الأميركي بايدن أيضاً الذي حاول الاستفادة من العملية الاجرامية لمصالحة الخاصة وهو ما يفسر الدعم الأميركيّ الكبير في تقديم المعلومات ووسائل المراقبة والمشاركة في التّخطيط في ظل مواصلة المفاوضٍات المتعثرة والمعقدة.
مدير وكالة الاستخبارات المركزيّة وليام بيرنز خلال زيارته للعاصمة القطريّة الدوحة طلب من المسؤولين القطريين والمصريين تكثيف ضغوطهم على حركة حماس للقبول بالقبول بالمبادرة الامريكية المطروحة في أسرع وقتٍ ممكن.
كما حملهم رسالة لحماس تطالبهم بالإفراج عن 4 محتجزين لديهم يحملون الجنسية الأميركي من اجل إقناع حكومة نتنياهو بأن الحركة جادة فعلا في التفاوض وافهامها أن التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى بات ممكن بالإضافة الى تحقيق دعم انتخابي للرئيس الأميركي من هلال استطاعته للتّفاوض للإفراج عن مواطنين أميركيين لكن جواب حماس كانَ مفاجئا وحاسماً في بانها لن تفرج عن أي من المحتجزين من دون التوصل الى صفقة تبادلٍ للأسرى وضمنَ خطّة واضحة لوقفٍ شاملٍ لإطلاق النّار وضمانات أميركية بانسحاب الجيش الإسرائيليّ من كل مناطق غزة.
المراقبون يتحدثون عن حالة مقلقة من الغموض والضبابية والتناقض في المصطلحات والمضامين والتصريحات والمواقف عند المسؤولين الأمريكيين الذين منذ البداية يحملون المسؤولية الكاملة لحماس في رفض المقترح كما هو واضح في تصريحات الرئيس الامريكي بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن الذي دعا صراحة في جولته الاخيرة دول المنطقة لممارسة ضغط أكبر على الحركة لقبول المقترح الذي قبلته اصلا وتعاملت معه بكل موضوعية وإيجابية.
الهدف الاسرائيلي الفعلي من وقف الحرب يقوم على تنفيذ المرحلة الأولى من خطة بايدن فقط أي ( تبادل الرهائن من النساء والمسنين والجرحى الإسرائيليين ) مقابل جزء من الأسرى الفلسطينيين مع إدخال مساعدات إنسانية وعودة الفلسطينيين إلى منازلهم وأحيائهم وانسحاب إسرائيلي من “ مناطق مأهولة بالسكان ” دون تنفيذ للمرحلة الأولى فإسرائيل حذفت مثلاً في التعديلات على مشروع القرار الأميركي عبارة الإفراج عن ( مئات الأسرى الفلسطينيين ) فضلا عن عدم وجود وضوح في نص المبادرة حول وقف إطلاق النار الدائم والانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع والاكتفاء بجزئية محددة من المرحلة الأولى ثم استئناف العمليات العسكرية بعد 6 أسابيع.
إدارة الامريكية ممثلة بالرئيس وبلنكن وكيربي تعمل بخبث وسوء نية مبيتة في محاولتها لوقف الحرب من دون رغبة حقيقية في انهائها بحجة صعوبة تطويع التعنت الإسرائيلي وتصاعد الخلافات الاسرائيلية الداخلية كما أن بايدن لا زال باستطاعته التذرع بالاعتراض الروسي على مشروع القرار في مجلس الأمن خاصة بعد ارتفاع النقمة على نتانياهو في صفوف الديموقراطيين وهذا الواقع سوف يظهر الرئيس الأميركي لمعارضيه من حزبه أنه سعى للحل وتقريب وجهات النظر لكن المشكلة تكمن في طرفي النزاع .
المهم في هذا الصدد الإشارة إلى أن حماس تجنبت بذكاء تقديم مقترح جديد كما فعلت في المرحلة السابقة من المفاوضات وأعلنت فورا موافقتها على مقترح الوسطاء بعد أن اجرت بعض التعديلات عليه بما يتوافق مع مطالبها الاساسية في تثبيت وقف العدوان بشكل دائم وانسحاب الاحتلال من كامل قطاع غزة وعودة النازحين بدون قيد أو شرط الة منازلهم وتسيير قوافل المساعدات والإغاثة العاجلة وإعادة الإعمار وإنهاء الحصار وإنجاز صفقة تبادل حقيقية وجادة وبهذا التكتيك الايجابي ظهرت حماس بموقف المتعاون مع المقترح الامريكي على عكس الصورة التي كان يتمناها نتنياهو ويسوق لها بأنها شوف تعطل الاتفاق الا إنها رمت كرة اللهب تجاه ملعب الحكومة المتشددة من خلال مراجعة بنود تعديلات حماس على الاقتراح نجد أنها بالمجمل وبشكل عقلاني ومنطقي وافقت على خطة بايدن لوقف الحرب وتبادل الأسرى مع معالجة بعض النقاط الثانوية والهامشية التي تتقاطع مع كل ما يريده الاحتلال من عملية تبادل أسرى فقط.
في ظل رفض نتنياهو المستمر للمبادرة التي تقدم بها في الاصل والانحياز الامريكي والتفاعلات داخل الحكومة والمجتمع الإسرائيلي يصعب التكهن الان بمستقبل المقترح والصيغة التي سيتوصل اليها وفي ذات الوقت من المرجح أن تستمر المفاوضات أيام أو حتى أسابيع وشهور وقد تشهد ضغوطا أميركية معتدلة على إسرائيل لن تكون كافية ليعمل نتنياهو جديا مع المفاوضات إلا بعد أن ينجح في نسويق مهمته باحتلال كل غزة وتحقيق هدفه الوهمي بالنصر الكامل والتسبب بمجازر رهيبة وفي وجهة نظر اخرى قد يضطر مع تصاعد الضغوط الأميركية إلى التعامل الإيجابي مع تعديلات حماس الاخيرة والشروع في تطبيق المرحلة الأولى من الصفقة مع رفضه المطلق بتمسك المقاومة برهن المضي بالمرحلتين الثانية والثالثة ببند صارم يتضمن وقف إطلاق النار التام لكي لا تبقى حرب مفتوحة كما يريدها نتنياهو ومجلس حربه.
على الرغم من كل ذلك تستطيع فصائل المقاومة الفلسطينية من خلال تطبيق المرحلة الأولى أن تحقق إنجازات مهمة على صعيد إغاثة الشعب الفلسطيني ووقف جرائم الاحتلال فضلا عن النجاح بالإفراج عن نحو ألف فلسطيني بينهم 250 مقاوما من ذوي الأحكام العالية والمؤبدات مع استمرار احتفاظها بالورقة الأهم وهي مصير الاسرى العسكريون.
يمكن ان نؤكده في اطار البحث والتقصي ان نتنياهو اذا ما وافق على المقترح بتعديلات المقاومة عليها لن يستطيع في هذه الحالة تسويقها أمام شركائه المتشددين وهو ما سيؤدي لانسحابات جديدة من الحكومة بعد غالانت وايزنكوت وهذا قد لا يؤدي بالضرورة الى فراط عقد الحكومة خاصة بعد تعهد خصمه المعارض نفتالي بينيت بتوفير غطاء الأمان له إذا ما قرر المضي قدما في المفاوضات وهو ايضا ما سيشعر الوزيرين ايتمار بن غفير وبتسليل سموتريتش بعدم توفر بدائل لهما في حالة الخروج من الحكومة وبالتالي البقاء فيها ومحاولة تعطيل ما يستطيعون من المفاوضات والتوافقات وقد يتضمن هذا السيناريو نجاح كبير للمرحلة الأولى لكن نجاح المراحل الأخرى يبقى غير مضمون من قبل نتنياهو.
في كل الأحوال فإن توقيع الصفقة سيؤذن بنهاية حكومة نتنياهو على المدى المنظور وسيعزز موقع المقاومة ويعطيها الفرصة لالتقاط أنفاسها في معركتها المستمرة مع الاحتلال كما سيحبط محاولات إيجاد البديل عنها مع تفعيل خطة إعادة الإعمار لقطاع غزة من خلال حكومة وطنية في إطار من التوافق الفلسطيني والاهم في حيثيات هذا الصراع هو ان المقاومة لم تدخل المفاوضات في حالة ضعف وانكسار وأن إسرائيل لم تحقق الانتصار الموهوم ولن تستطيع فرض شروطها ولكن الوقائع العملية تضغط على الطرفين اللجوء صيغة اتفاق مقبول تبادل لوقف اطلاق النار ضمن جهود الوساطة الامريكية والعربية.