خفض التصعيد.. وسيلة الاحتلال لاستمرار حرب غزة
هناك اجماع في المؤسستين العسكرية والأمنية وقادة المعارضة والقيادات السابقة، بأن نتنياهو يقود هذه الحرب خدمة المصالحه.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أصر على الذهاب الى معركة رفح على أمل ان ” يأتي بالزير من البير”، أي ان يحق اهداف حربه العدوانية على قطاع غزة، التي عجز عن تحقيقها في الشمال والوسط والجنوب، أي تحقيق الأهداف الإستراتيجية المتطرفة للحرب التي خرج اليها على قطاع غزة، القضاء على المقاومة الفلسطينية وفي القلب منها حركة حماس، واسقاط سلطة وحكم حماس والإستعاضة عنها بسلطة اجسام محلية عشائر ومخاتير غير مرتبطة بحماس والمقاومة، تنفذ مشاريع ومخططات الإحتلال، جربها في الضفة الغربية وفي جنوب لبنان عام 2000، ولم يكن مصيرها سوى الفشل الذريع.
وكذلك أن يتمكن من استعادة اسراه تحت الضغط العسكري أو عبر عمليات خاصة دون اتفاق مع حماس والمقاومة، بعد ان يتمكن من اسر قادة المقاومة او قتلهم، بما يرمم من صورته التي تتأكل في نظر ليس فقط اهالي الأسرى والجمهور ” الإسرائيلي”، بل النخب العسكرية والأمنية والسياسية السابقة والحالية، والتي باتت توجه اتهامات لنتنياهو بانه يقود دولته نحو الكارثة وان حكمه اسوء وافشل حكم عرفته دولة الإحتلال.
وليصل الأمر حد قول الجنرال المتقاعد اللواء اسحق بريك المسؤول السابق لشكاوي الجنود، بأن “اسرائيل” ستنتحر جماعياً مع نتنياهو وغالانت وهليفي، وبأن هذا الثلاثي عبارة عن مسامير صدئة مقطوعة الرؤوس في الجسد “الإسرائيلي” يصعب التخلص منها.
وكذلك هناك اجماع في المؤسستين العسكرية والأمنية وقادة المعارضة والقيادات السابقة، بأن نتنياهو يقود هذه الحرب خدمة لمصالحه واغراضه السياسية والشخصية، ولمنع خسارته للشرعية البرلمانية، عبر تفجير حكومته من داخلها من قبل شركائه في الإئتلاف الحكومي بن غفير وسموتريتش، واللذان باتا يمسكان ب”عنق” قراراته السياسية، في ظل خوفه الدائم، من أن انهيار حكومته من داخلها، يعني محاكمته وقضاء بقية عمره في السجن، ليس بالتهم المنظورة ضد امام قضاء دولته الرشوة وسوء الإئتمان وخيانة الأمانه، بل تحميله المسؤولية الكبرى عن الفشل الأمني والإستخباري والهزيمة في السابع من اكتوبر.
ولذلك ظل يحاول التملص من هذا المصير، بتوظيف شركائه لمهاجمة قادة الجيش واتهامهم بالمسؤولية عن الفشل، وان ما يسميه بالنهج الإنهزامي من قبل قادة المعارضة وقادة المؤسسة العسكرية، من شأنه عدم تحقيق اهداف الحرب.
المهم نتنياهو قام بعمليته العسكرية في رفح، ولم تكن نتائجها بأفضل حال عن المعارك في بقية القطاع في الشمال والوسط والجنوب، بل كانت النتائج اكثر سوء، المزيد من الغوص في رمال ومستنقع قطاع غزة، وخسائر عسكرية بشرية ومعدات عسكرية أكبر ، ولا نصر ولا صورة نصر ولا إنجازات عسكرية ولا ميدانية، ولا إستعادة اسرى، ولا قضاء على بقية ألوية حماس، بل وجد انها كانت قادرة على التكيف مع الأوضاع، وتعيد ترميم وبناء قوتها وقدراتها العسكرية والتسليحية وسيطرتها على المناطق التي يخليها الإحتلال، وان تستعيض عن فقدانها لجزء من قوتها عبر تجنيد شبان وعناصر جدد، مع استمرار التدريبات وتصنيع السلاح والعتاد في ورش داخل القطاع.
تحت ضغط حالة التفكك والإنهيار التي تشهدها المؤسسة العسكرية، والنقص في العنصر البشري، انفجرت مجموعة ازمات في وجه نتنياهو، لم تتمثل فقط بحل مجلس الحرب المصغر، الذي كان يمثل حكومة وحدة وطنية، وخروج غانتس وايزنكوت منه وتشكل تحالف من قادة الأحزاب المعارضة من ليبرمان ولبيد وساعر، والمطالبين برحيله واجراء انتخابات تبكيرية عامة سادسة، وتصاعد مظاهرات اهالي الأسرى الملتقية بأهدافها مع تلك المعارضة، فهي لم تعد تطالب بأن تكون الأولوية فقط لإستعادة ابنائها الأٍسرى احياء، بل رفع شعارات سياسية تطالب برحيل نتنياهو وتحميله المسؤولية المباشرة عن عدم استعادة ابنائهم الأسرى والتضحية بهم على مذبح مصالحه السياسية والشخصية.
نتنياهو الذي يخسر على جبهتي الشرعيتين السياسية والشعبية، باتت النيران تنتقل الى داخل بيته الحكومي، والشرعية البرلمانية، بعد قرار قضاة محكمة ” العدل” العليا بالإجماع، بضرورة تجنيد اليهود ” الحريديم” للخدمة العسكرية، ووقف تمويل المؤسسات والمعاهد والمدارس الدينية التي يرفض طلابها التجنيد في الجيش، وهذا من شأنه زعزعة استقرار حكومة نتنياهو، في ظل رفض حزبي “شاس” و “يهوديت هتوراة” لهذا القرار، الذي قد يفتح الباب لخروجهم من الإئتلاف الحاكم واسقاط حكومة نتنياهو المترنحة.
نتنياهو وقادة جيشه يقولون بأنهم سينجزون اهداف حربهم في القطاع خلال مدة اقصاها اربعة الى ستة اسابيع ، ومن ثم سينتقلون الى المرحلة الثالثة، هذه المرحلة التي تعني الإنسحاب من مراكز المدن والمخيمات الى حدود قطاع غزة مع مصر ونحو شرق غزة المحاذي لمستوطنات الغلاف وخط “نتساريم” في وسط غزة الذي يفصل شمالها عن جنوبها، وبما يعني تقليل الإحتكاك مع السكان والمقاومة، وتوفير الفرصة لنقل جزء من القوات الى الجبهة الشمالية، من اجل توسيع دائرة الحرب على حزب الله ولبنان.
تلك الحرب التي اعتقد بان إمكانيات توسعها في ظل سقوط مرحلة الحرب النفسية التي شاركت فيها قوى عربية واقليمية ودولية، من أجل الضغط على حزب الله لفك علاقة الجبهة الشمالية مع جبهة قطاع غزة قد فشلت، وكذلك توسعة الحرب تحتاج الى قرار امريكي غير موجود، والى جيش لديه الإمكانيات والقدرات على حسم تلك الحرب بشكل سريع، وهذا غير متوفر في ظل جيش يعاني من نقص في كادره البشري، فهو يحتاج الى تجنيد ما بين 8 – 10 جندي فوراً، والى تجنيد على الاقل 15 كتيبة جديدة، وجيش مرهق ويعني من انخفاض روحه المعنوية وحالة اهتراء واهتلاك وتمرد واستقالات وتهرب من الخدمة ونقص في الذخائر والدعم اللوجستي، لا يمكن له تحمل خوض حرب واسعة او شاملة.
فقرار شن حرب على حزب الله محدودة او واسعة او شاملة، قد يتخذ ولكن ضبط ايقاعات هذه الحرب وعدم خروجها عن السيطرة ، وعدم معرفة الأطراف التي قد تشارك فيها، وما لها من تداعيات ليس على الجبهة الداخلية “الإسرائيلية” التي بلغة قادة عسكريين وامنيين “اسرائيليين” منهم يهود اولمرت ويهود بارك رؤساء وزراء سابقين، وجنرالات من امثال غانتس واسحق بيرك، يقولون بأن جبهة “اسرائيل” الداخلية سيلحق بها ضرر غير مسبوق، يفوق ما لحق بها عشرات المرات في كل الحروب السابقة التي خاضتها ” اسرائيل” وستحتاج الى سنوات للتعافي منها.
ليس هناك شيء اسمه المرحلة الثالثة من الحرب، بل العجز بالسير في العملية العسكرية بوتيرتها السابقة، حيث حرب الإستنزاف والخسائر المتصاعدة بشرياً ومادياً، ولذلك تم ابتداع هذه المفهوم لوقف النزيف في الخسائر ودفع الأثمان والأكلاف الباهظة، وهذا الشكل من الحرب الذي يركز على ضربات موضوعية ومحدودة بإستهداف تجمعات وقواعد ومراكز للمقاومة وقادتها، هدفه تقليل الخسائر، والتهرب من الإقرار بالهزيمة أمام المقاومة، وأيضاً التهرب من قبول بشروط المقاومة بالتوصل الى اتفاق ينهي الحرب وينجز تبادل الأسرى، في البحث عن حالة لا اتفاق تقلل من حجم خسائره، بالخروج من مراكز المدن والمخيمات، وبما يقلل من الإحتكاك، كما حصل في قرار الإنسحاب من الشريط الحدودي من لبنان عام 2000.
الاحتلال يراهن على ان هذا الإنكفاء قد يطيل حالة الجمود القائمة على بقاءه في القطاع، وهذا الوهم لا يعرف بأن المقاومة ستستمر حتى طرد قوات الإحتلال الى خارج قطاع غزة او التسليم بشروط المقاومة لوقف الحرب نهائيا.
أمريكا و”اسرائيل” تروجان بأن تخفيض التصعيد على جبهات قطاع غزة سيؤدي الى تخفيض التصعيد على جبهة الإسناد في الشمال، وبما يسمح بعودة سكان المستوطنات الشمالية، والسؤال المطروح والمهم، إذا كانت جبهة المشال قد فتحت لتسريع وقف إطلاق النار على القطاع وانهاء الحرب، فهل تخفيض التصعيد سيخدم هذا الهدف، ام انه سيمنح “اسرائيل” الفرصة للتملص من تنفيذ الإتفاق..؟؟.
وفي اعتقادي بأن هدف تخفيض التصعيد، هو أمريكي – “إسرائيلي” للتهرب من استحقاق اتفاق يؤدي لوقف الحرب، ولذلك لا اعتقد بأن محور المقاومة وفي مقدمته حزب الله سيكونون معنيين بهذا المخطط والمشروع.