خطة بايدن لوقف إطلاق النار مرفوضة إسرائيليًا
وتعمل إسرائيل على تسريع مستويات المجاعة والنزوح بتقييدها تدفق الغذاء والمساعدات الأساسية عبر كل معبر بري.
سبّق الرئيس جو بايدن ولاؤه القوي لإسرائيل على إخلاصه وواجبه تجاه الولايات المتحدة خلال حياته المهنية الطويلة. وكان هذا الاتجاه أبرز خلال الأشهر الثمانية الماضية المؤلمة. أما عواقب هذا الأسبوع فهي كارثية على الشعب الفلسطيني، إضافة إلى تقويضها أمن الإسرائيليين، وخيانتها الأمن القومي الأميركي والسلامة الديمقراطية.
ودفعت الحرب قطاع غزة ومدنييه البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة (ونصفهم من الأطفال) إلى مرحلة كارثية. فهم يكافحون للبقاء على قيد الحياة في خضم الأزمة الإنسانية المعقدة التي تهدد كل رجل وامرأة وطفل فلسطيني في القطاع المحاصر.
وتعمل إسرائيل على تسريع مستويات المجاعة والنزوح بتقييدها تدفق الغذاء والمساعدات الأساسية عبر كل معبر بري بينما تقصف المناطق المدنية في جميع أنحاء غزة. وشمل هذا التضييق المساعدات الإنسانية الأميركية. وينتهك منع المساعدات الإنسانية في أوقات الحرب العديد من القوانين الأميركية والدولية. وقال مصدر لم يُكشف عن اسمه “خلقت إسرائيل فعليا معتقلا بإغلاق جميع الحدود والقدرة على الوصول إلى البحر. وهذه مفارقة قاسية لأمة تأسست على الذكرى اليهودية في وارسو”.
وأعلن بايدن يوم الجمعة الماضي أن إسرائيل وافقت على وقف إطلاق النار. ويتطابق هذا مع الخطة التي قالت تل أبيب قبل شهر إنها ستدعمها. لكنها قررت أن تستهدف مخيم جباليا للاجئين وتشن هجومها البري على رفح. ومثلما كان رد الرئيس الأميركي على القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية، والذي يطالب إسرائيل بوقف هجومها على رفح في وقت سابق، التزم بايدن الصمت بشأن الحصار الإسرائيلي المستمر والعمليات العسكرية في جميع أنحاء القطاع.
وجاء الرد الوحيد إلى حد كتابة هذه الأسطر من المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي. وذكر خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض يوم الثلاثاء أن “أي خسارة في أرواح المدنيين يعدّ أمرا مفجعا… لكن الولايات المتحدة لن تجري في الوقت الحالي أيّ تغييرات على سياستها الخارجية أو مساعداتها العسكرية لإسرائيل. لا نرى في أعمال إسرائيل في رفح غزوا بريا كبيرا”.
واعتبر أن العملية البرية الكبرى تشمل مناورة آلاف الجنود ضد أهداف على الأرض. وفي المقابل، قال عمر عاشور، أستاذ الدراسات الأمنية والإستراتيجية في معهد الدوحة للدراسات العسكرية، إن “العملية العسكرية المحدودة” في رفح ليست محدودة فعلا، حيث “وصلت ستة ألوية تتألف من أكثر من 30 ألفا من القوات البرية والدبابات إلى قلب رفح يوم الثلاثاء” في نفس اليوم الذي أدلى فيه كيربي بتصريحه. وقُتل 70 مدنيا فلسطينيا وجرح المئات خلال الأسبوع الذي انقضى منذ دخول القوات الإسرائيلية إلى رفح.
لكن لحسن الحظ، لا تعكس سياسة بايدن الخارجية المتهورة كامل حكومة الولايات المتحدة أو الشعب. ويشكّل الملايين من الأميركيين الذين يتحدون بشجاعة مساعداته الدبلوماسية والعسكرية غير المشروطة لإسرائيل جزءا مهما من المجتمع الأميركي. ويشمل هؤلاء المعارضون الآلاف من الأميركيين اليهود والعديد من الناجين من المحرقة وأحفادهم. وأبرز استطلاع أجرته مؤسسة غالوب للتحليلات والاستشارات في مارس أن أكثر من نصف الناخبين الأميركيين، بما في ذلك جل الديمقراطيين والجمهوريين والمستقلين، لا يوافقون على ممارسات إسرائيل في غزة. ودعا ثلثا الناخبين الأميركيين الولايات المتحدة إلى دعم وقف دائم لإطلاق النار ووقف تصعيد العنف في غزة.
وتجاهل بايدن مختلف الدعوات لاتخاذ إجراءات أخلاقية بخصوص غزة من طلاب الجامعات وعامة الشعب. كما قرر بحماقة تهميش الأصوات الناقدة من الموظفين العموميين عبر العديد من الوكالات الحكومية الأميركية وحتى من داخل إدارته. وبرز هذا التجاهل منذ أكتوبر.
وكان جوش بول، المدير في مكتب الشؤون السياسية والعسكرية بوزارة الخارجية المسؤول عن دبلوماسية الدفاع الأميركية والمساعدة الأمنية ونقل الأسلحة، أول من دق أجراس الإنذار ومن حذّر من خطر التصعيد. وطالب قبل استقالته مسؤولي إدارة بايدن بتطبيق قانون ليهي، وهو قانون المساعدات الخارجية الأميركي الذي يحظر المساعدة العسكرية لأيّ قوة تمارس انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان. ولم يُستجب لندائه مع ارتفاع عدد القتلى المدنيين وجرائم الحرب التي لا تعد ولا تحصى التي أبلغت عنها مصادر مستقلة متعددة.
كما راوغ بايدن الكونغرس في مناسبتين منفصلتين لتسريع بيع أسلحة بقيمة 250 مليون دولار إلى إسرائيل. وضغط كريس فان هولين، السناتور الأميركي من ولاية ماريلاند والعضو في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، على الرئيس في ديسمبر ليعتبر أن “الولايات المتحدة، بصفتها المزود الرئيسي للأسلحة لإسرائيل، ليست متفرجة في حرب إسرائيل ضد حماس” وللاعتراف بـ”معدلات الإصابات المدنية المرتفعة بشكل غير مقبول في غزة” بسبب “قواعد الاشتباك الفضفاضة” التي تتبعها إسرائيل و”افتقارها إلى ضبط النفس في ملاحقة قادة حماس”.
ووقّع أكثر من 800 موظف حكومي رسالة مفتوحة في 2 فبراير. ودعوا إدارة بايدن إلى إعادة النظر في دعمها غير المشروط للحرب الإسرائيلية في غزة، مشيرين إلى أن “إسرائيل لم تظهر أيّ حدود في عملياتها العسكرية وخاطرت بحياة الرهائن الإسرائيليين المتبقين”. واستقالت الدبلوماسية الأميركية المخضرمة هالة راريت في أبريل، وتبعتها في مايو اليهودية الأميركية ليلي غرينبرغ كول.
وحدث هذا بعد أشهر من التحذير من أن استمرار دعم البيت الأبيض غير المشروط لإسرائيل يفاقم الأزمة الإنسانية في غزة ويفشل في خدمة مصالح السياسة الخارجية الأميركية. وأعلن مسؤولان آخران في الحكومة الأميركية استقالتهما بينما أكتب هذه الأسطر، مما رفع عدد استقالات الحكومة الأميركية إلى تسعة.
وتزداد معاناة الرهائن الإسرائيليين يوما بعد يوم. وبلغ عدد الضحايا في غزة 120 ألف شخص. وبينما يعدّ دفع الرئيس بايدن المتجدد لوقف إطلاق النار أمرا مرحبا به، إلا أنه ليس كافيا. ويجب أن يقود الرئيس الأميركي شخصيا جهود الهدنة بين إسرائيل وحماس بإظهار جدية الولايات المتحدة بشأن السلام. ويمكنه تحقيق ذلك بثلاث خطوات مبدئية وفورية وقابلة للتنفيذ للتخفيف من العنف والضرر الذي تساهم فيه الولايات المتحدة في غزة. فيجب على الرئيس بايدن أن يطالب إسرائيل شخصيا بإعادة فتح جميع المعابر البرية، والإعلان عن حظر على الأسلحة لتحقيق السلام الدائم، وفرض منطقة حظر جوي فوق غزة حتى يُمكن إطلاق سراح الرهائن في بيئة هادئة وتتمكن المنظمات الإنسانية من تكثيف جهود المساعدة الحيوية بأمان وبسرعة.
ولن يتمكن الرئيس بايدن وإدارته من ادعاء الجهل خلال لحظة الحساب. لقد تعالت طوال الأشهر الثمانية الماضية أصوات الأميركيين من داخل الحكومة الأميركية ومن عامة الشعب، واتسمت بوضوح أخلاقي، وطالبت بايدن ببساطة بالالتزام بالمبادئ والقوانين المحلية والدولية التي تتبناها الولايات المتحدة بالفعل.