تقارير

حسن نصر الله.. قيادي لبناني عاش في الظل لكنه أعاد «حزب الله» إلى الضوء

على مدى أكثر من 3 عقود، باتت نظارته الطبية ولحيته البيضاء وعمامته السوداء، علامة على القوة والصمود والمقاومة ضد إسرائيل، بعد أن خاض حزب الله اللبناني في عهده العديد من المعارك الطاحنة ضد القوات الإسرائيلية.

هو حسن عبدالكريم نصر الله، الأمين العام الثالث لحزب الله اللبناني، والذي ولد لعائلة شيعية في برج حمود، إحدى البلدات اللبنانية من قرى قضاء المتن بمحافظة جبل لبنان في 31 أغسطس عام 1960.

وفي وقت سابق، اليوم السبت، أعلن الجيش الإسرائيلي رسميا، تمكنه من “قتل” الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، في غارة جوية على العاصمة اللبنانية بيروت.

ونصر الله (64 عاما) هو صيد ثمين سعت إسرائيل مرارا لاقتناصه بعدة محاولات اغتيال لم تصب هدفها خلال نزاعات مسلحة، غير أنها تمكنت هذه المرة في خامس أيام الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان من الوصول إليه.

وعقب ساعات على إعلان الجيش الإسرائيلي مقتل حسن نصر الله، أصدر حزب الله اللبناني بيانا أقر فيه بمقتل زعيم التنظيم وأحد مؤسسيه، قائلا: “سماحة السيد، سيد المقاومة، العبد الصالح، انتقل إلى جوار ربه ورضوانه شهيدًا عظيمًا قائدًا بطلًا مقدامًا شجاعًا حكيمًا مستبصرًا مؤمنًا، ملتحقًا بقافلة شهداء كربلاء النورانية الخالدة في المسيرة الإلهية الإيمانية على خطى الأنبياء والأئمة الشهداء”.

وأضاف البيان: “إن قيادة حزب الله تعاهد الشهيد الأسمى والأقدس والأغلى في مسيرتنا المليئة بالتضحيات والشهداء أن تواصل جهادها في مواجهة العدو وإسنادًا لغزة وفلسطين ودفاعًا عن لبنان وشعبه الصامد والشريف”.

من هو حسن نصر الله؟

نصر الله هو الأخ التاسع من بين 10 أشقاء في أسرة والده عبدالكريم نصر الله، والذي كان يعمل في تجارة الخضار والفواكه في لبنان، وعُرف باسم “أبو هادي”، نسبة إلى ابنه الأكبر، الذي كان يبلغ من العمر 18 عاماً عندما توفي في عام 1997 في تبادل لإطلاق النار مع الإسرائيليين، ولنصر الله 4 أبناء آخرين وهم: زينب، ومحمد جواد، ومحمد مهدي، ومحمد علي.

وتلقى نصر الله منذ الصغر تعليما دينيا في مراكز وحوزات شيعية في لبنان والعراق وإيران، ثم انضم إلى “حركة أمل” خلال دراسته الثانوية، وتدرج بالمناصب حتى أصبح عضوا في المكتب السياسي للحركة عام 1979، وعقب 3 سنوات انسحب من الحركة على وقع خلافات حول كيفية مواجهة الاجتياح الإسرائيلي للبنان.

وفي عام 1982 انضم لـ”حزب الله” الذي تأسس في العام نفسه، وتولى مسؤولية تعبئة المقاومين في منطقة البقاع (شرق)، ثم انتقل إلى بيروت حيث تولى منصب نائب مسؤول المنطقة، ثم أصبح المسؤول التنفيذي العام، وأصبح بذلك عضوًا في مجلس الشورى في عام 1985، وهو أعلى هيئة قيادية ضمن حزب الله.

تولى نصر الله منصب الأمين العام لحزب الله في عام 1992، بعد اغتيال سلفه عباس الموسوي في هجوم إسرائيلي، ليكون الأمين العام الثالث للتنظيم الشيعي الأقوى بالمنطقة، إذ قاد حزب الله تحت قيادته سلسلة من العمليات النوعية ضد إسرائيل، ما أدى إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان عام 2000 بعد احتلال دام 22 عاما.

وبسبب الدور الذي لعبه حسن نصر الله في قيادة حزب الله، اعتبرته إسرائيل من أكبر الأعداء العسكريين لها، لا سيما وأنه كان صاحب كاريزما قوية بدت في جميع الخطب الحماسية التي كان يتوعد فيها إسرائيل بشن هجمات عنيفة ردا على اعتداءاتها المتكررة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وفي عام 2004 كان حسن نصر الله هو مهندس عملية تبادل الأسرى مع الاحتلال، والتي وصفت آنذاك بأنها “العملية الأكبر لصفقات تبادل الأسرى بين الطرفين”، إذ لم يتم تحرير أسرى من لبنان فقط، بل شملت الصفقة مئات الأسرى من جنسيات عربية أخرى.

نصر الله في حرب تموز

وبلغت شعبية نصر الله ذروتها في العالم العربي والإسلامي عام 2006 أثناء حرب “تموز” يوليو، والتي استمرت 33 يوما، وتكبدت فيها إسرائيل خسائر فادحة واضطرت للانسحاب من جنوب لبنان دون تحقيق أهدافها، حيث نال لقب “سيد المقاومة”.

وعلى مدى نحو 3 عقود، أضاف حسن نصر الله هالة من الوقار والغموض على منصب الأمين العام لحزب الله الذي تولاه عام 1992، وذلك بسبب إصراره على تجنب الظهور الإعلامي أو التواصل العلني حرصا على إخفاء أثره وخوفا من اغتياله.

وعندما منح مقابلة نادرة مع صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية عام 2002، تم تعصيب عيني المراسل والمصور وتجولا في الضواحي الجنوبية لبيروت لفترة وجيزة قبل الاجتماع، ثم قام فريق الأمن الخاص به بتفتيش كل شيء يدخل الغرفة، حتى فك الأقلام للتأكد من أنها تحتوي على الحبر فقط.

وبجانب محاولات إسرائيل لاغتياله، أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية نصر الله على “قائمة الإرهابيين الدوليين” في عام 1995، وعرضت مكافأة مالية تصل إلى 10 ملايين دولار مقابل أي معلومات تؤدي إلى تحديد مكانه أو اعتقاله.

تراجع شعبية نصر الله

وتراجعت الشعبية الجارفة لزعيم حزب الله اللبناني بعد إعلان انحيازه للنظام السوري ضد الاحتجاجات الشعبية التي طالبت بإسقاطه خلال الثورة السورية التي اندلعت في عام 2011، إذ نشرت تقارير دولية أن حزب الله شارك في عدد من المعارك إلى جانب الجيش السوري، وأودى بحياة آلاف المعارضين السوريين.

وذكر حسن نصر الله في أحد خطاباته أن “حزب الله باق في سوريا ما دامت الأسباب قائمة”، كما قال في مقابلة متلفزة مع فضائية “الميادين” الموالية لطهران، إن “الإيرانيين هم الذين أقنعوا الرئيس الروسي بالتدخل، لمنع سقوط المدن السورية، الواحدة تلو الأخرى، بيد معارضيه”، ما أثار ردود فعل غاضبة على الصعيدين العربي والدولي.

وتصريحات نصر الله، بشأن التدخل العسكري الإيراني – الروسي في سوريا أثناء الثورة الشعبية ضد نظام بشار الأسد، أدت إلى تراجع ملحوظ في شعبيته على الصعيد العربي والإسلامي، لا سيما وأنه حمل تأكيدات بأن حزب الله هو الذراع العسكرية لإيران بالمنطقة.

وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على حسن نصر الله واثنين آخرين من قادة الحزب لدعمهم الفعال لنظام بشار الأسد، واتهمت الحزب آنذاك بأنه يلعب دورًا في أنشطة إرهابية بسوريا، وبأن تصرفاته تقوض الاستقرار في المنطقة وتشكل تهديدًا مباشرًا لأمن لبنان.

العودة للأضواء مجدداً

وظل زعيم حزب الله في حالة خفوت جماهيري طوال عدة سنوات، حتى عاد اسمه إلى واجهة الأحداث بقوة مع انطلاق عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها فصائل فلسطينية، بينها حماس والجهاد الإسلامي، على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر 2023، والتي تلاها حرب إسرائيلية على قطاع غزة تقترب من دخول عامها الأول ما أسفر عن مقتل وإصابة أكثر من 137 ألف فلسطيني.

وأعلن نصر الله عن فتح “جبهة في جنوب لبنان لدعم وإسناد المقاومة الفلسطينية”، وهي الجبهة التي قال في عدد من خطاباته إنها لن تهدأ إلا بعد إنهاء الحرب على قطاع غزة، وقد شهدت بالفعل الحدود الإسرائيلية اللبنانية مواجهات وتبادلا للقصف الجوي بشكل شبه يومي.

وقبل 5 أيام من إعلان مقتله، استهدفت غارات إسرائيلية عنيفة جنوب لبنان وشرقه بشكل رئيسي، في تصعيد حاد للنزاع المتواصل بين إسرائيل وحزب الله المستمر منذ نحو عام، على خلفية الحرب في قطاع غزة، ما أسفر عن مقتل وجرح المئات ونزوح آلاف اللبنانيين.

اغتيال حسن نصر الله

وفي 27 سبتمبر الجاري، استهدفت طائرات الجيش الإسرائيلي، ما أسمته “المقر المركزي لحزب الله” في الضاحية الجنوبية لبيروت.

وقال الجيش الإسرائيلي إن الغارة كان هدفها اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله، وفي اليوم التالي أعلنت إسرائيل وحزب الله على التوالي اغتيال الزعيم الشيعي البارز حسن نصر الله.

ويأتي اغتيال نصر الله بالتزامن مع تكثيف الجهود الفرنسية والأمريكية للتواصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار مؤقت بين إسرائيل وحزب الله لمدة 21 يوما؛ بغرض إتاحة الفرصة للجهود الدبلوماسية للتوصل إلى حل سلمي على جبهتي لبنان وغزة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى