حدود المكاسب والخسائر لما يجري في غزة
تعقيد الموقف السياسي الآن لما يجري في غزة بات دقيقاً وحاسماً، ليس فقط لإسرائيل ولكن لمصر وجميع دول المنطقة المرتبطة بغزة، وخاصة أن إسرائيل لم تنتصر حتى الآن على المقاومة
هل تحقق إسرائيل انتصارات في غزة؟ سؤال عام وشامل، لا يمكن الإجابة عنه بسهولة في ظل المعطيات المتواصلة حالياً، وخاصة إن وضعنا في الاعتبار بعضاً من النقاط وهي:
1- الأهداف الرئيسة للعملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة لم تتحقق مطلقاً سواء في القضاء على حماس أم القضاء على محمد ضيف أو يحيى السنوار، بل على العكس يمكن القول باستحالة الوصول إليهما بسهولة الآن.
• بات من المستحيل عملياً التخلص من فكرة حركة حماس ووجودها على الأرض، بحسب ادعاء القيادات الإسرائيلية التي قالت إن أحد أبرز أهدافها العسكرية سيكون التخلص من حركة حماس وحكمها، حيث بات واضحاً أن ما قامت به الحركة في السابع من تشرين الأول الماضي سيخلد في التاريخ الفلسطيني والعربي الخاص بالمقاومة.
• من الممكن أن تتأثر شعبية حركة حماس في غزة بسبب ما جرى لتداعيات عملية السابع من تشرين الأول، ولكن بالتأكيد فإن تداعيات ما جرى على الفلسطينيين في الضفة أو المهجر جميعه يصب في مصلحة حماس.
كل هذا يضاف إليه بعض من التقديرات ومنها أن مصير الأسرى الإسرائيليين بات مجهولاً، والأهم من هذا أن مصير العمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع أيضاً يشوبه الكثير من الضبابية، في ظل سقوط الكثير من القتلى بهذا الجيش بسبب عمليات المقاومة، من هنا باتت العملية معقدة سياسياً تماماً، وخاصة أن الأمور دولياً تتجه نحو خانة الاستغناء عن حكم حركة حماس في غزة، وفي الوقت نفسه فإن شعبية حماس سترتفع وتتعاظم في قلب كل فلسطيني، ومن هنا أؤكد استحالة طرح فرضية الانتصار الإسرائيلي على المقاومة.
هناك نقطة أخرى لا أعرف لماذا يتجنبها البعض، تختص في التعاطي المصيري مع التطورات الحالية، ومع كل هذا بات واضحاً أن مصر تحديداً باعتبارها الدولة العربية الأكبر المجاورة للقطاع لا يروقها بالمرة تداعيات المشهد الحالي أو المستقبلي لما يجري وسيجري في غزة لعدة أسباب منها.. إن التوجه العام يسير ويصب في خانة وجود قوى إقليمية تتعاون مع قوى دولية تحت مظلة فلسطينية في اليوم التالي للحرب، وهو أمر معلن وقاله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وبعض من الدوائر الأمنية في الولايات المتحدة أيضاً، غير أن هذا بالطبع لا يروق للمدرسة المصرية كثيراً، حيث تعتمد القاهرة دوماً في التعاطي مع الواقع الإستراتيجي العربي على وجود قوة واحدة على الأرض تتعامل معها بغض النظر عن أي مكوّن آخر.
وفي اعتقادي أن الإسرائيليين يتعاملون مع الموقف بهذه الصورة، ويدركون أن مصر لا تحبذ هذا المكون، وبالتالي فهم يضغطون عليه في إطار المناكفات السياسية بين مصر وإسرائيل، وهناك بالطبع تقارير أكاديمية إسرائيلية كشفت عن اتصالات خليجية إسرائيلية في هذا الصدد، وتمت مناقشة هذا الأمر في إحدى العواصم الخليجية أخيراً في لقاء جمع بين قيادات أركان بعض من الجيوش العربية وإسرائيل.
إن إسرائيل تعمل على تحقيق هدف وهو وجود قوة إقليمية ودولية تحت مظلة فلسطينية بعيداً عن مصر، وهو ما يتمثل في بعض من التطورات منها:
أ- الحديث الإسرائيلي عن أن الهدف من هذه الخطوة فقط يأتي لرفع المعاناة عن الفلسطينيين، وبالطبع هذا غير صحيح، لكنه ستار تحاول إسرائيل من خلاله تحقيق أهدافها السياسية والأمنية.
ب- في هذا الإطار يأتي الحديث المتواصل الذي لا ينتهي عن مدير شركة هلا المصرية الشيخ إبراهيم العرجاني في الصحف العالمية، وهو حديث بالطبع يتضمن إشارات في منتهى الدقة عن قوة العرجاني وعلاقته بالسلطة المصرية والمصاعب التي يعيشها المواطن الفلسطيني عبر معبر رفح بسبب شركة هلا.
ت- عند تحليل ما تكتبه الصحف العالمية عن العرجاني تحديداً سنجد أنه يستخدم ويلوّح بالورقة الإنسانية، واستغلال شركة العرجاني لمآسي الفلسطينيين من أجل السماح لهم بالسفر.
بالطبع ردت مصر عبر أكثر من منبر على هذه المزاعم لتقول نصاً إنها مجرد كلمات لا أساس لها من الصحة وإن القاهرة لا تستغل الشعب الفلسطيني، بل تساعده وتدعمه، وإن أي رسوم يدفعها الفلسطيني عبر معبر رفح تكون نظيراً للخدمات اللوجستية والإدارية التي تقوم بها مصر.
عموماً فإن مصر تواجه بالفعل الكثير من التحديات الدقيقة في ظل ذروة ما يجري، وخاصة مع وقوع قطاع غزة في منطقة العمق الإستراتيجي لمصر من حدودها الشرقية.
على أي حال فإن تعقيد الموقف السياسي الآن لما يجري في غزة بات دقيقاً وحاسماً، ليس فقط لإسرائيل ولكن لمصر وجميع دول المنطقة المرتبطة بغزة، وخاصة أن إسرائيل لم تنتصر حتى الآن على المقاومة، ومن ثم فإن الموقف برمته دقيق، وربما سيمثل دقة أكبر مع التطورات الإستراتيجية المقبلة بالمستقبل.