سبتمبر الماضي نفذت دولة الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية واستخبارية في لبنان جرى التحضير لها منذ زمن طويل، أسفرت عن تفجير آلاف أجهزة الاتصال اللاسلكية المحمولة من نوع «بيجر» و«أيكوم» وأودت بحياة 26 شخصاً وإصابة نحو 3250 آخرين. ولأن التفجيرات لم تميز بين حاملي الأجهزة من عناصر «حزب الله» أو المدنيين المجاورين في الشوارع والأسواق والمشافي، فإن جريمة الحرب الموصوفة التي انطوت عليها العملية دفعت سلطات الاحتلال إلى الإحجام عن الاعتراف بالمسؤولية عنها.
لكن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو كان له رأي آخر في أمر التكتم على العملية، إذ أعلن عنها مؤخراً خلال الجلسة الأسبوعية للحكومة، وتقصد مكتبه تسريب تصريحاته بشأنها إلى القناة 12 العبرية، خاصة لجهة التفاخر شخصياً باتخاذ قرار تنفيذها، أسوة بقرار اغتيال حسن نصر الله أمين عام «حزب الله». ولم يكن خافياً أن توقيت الإعلان ينطلق من سلسلة ملابسات ذات صلة بخدمة أجندات نتنياهو السياسية والحزبية والقضائية، وعلى رأسها ترسيخ صورته كزعيم ضامن لأمن دولة الاحتلال، وتبييض صفحته إزاء ما يواجهه من فضائح أمنية وإدارية جديدة تعصف بمكتبه وبكبار مساعديه، تضاف إلى فضائح الرشوة والفساد وخيانة الأمانة التي يتابعها القضاء.
فالعاصفة لم تهدأ بعد نتيجة إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت واستبداله بوزير ضعيف وغير مجرّب وأقرب إلى بيدق لا يحرك ساكناً إلا بإذن من نتنياهو، حيث لا يخفى هنا أيضاً أن التوقيت ينطلق من اعتبارات خارجية مثل فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية، أكثر من أي اعتبار داخلي على صلة بمجريات الحروب الإسرائيلية ضد قطاع غزة ولبنان. وما تراجع عنه نتنياهو بعد إقالة غالانت الأولى في آذار/ مارس 2023، باتت فرصته اليوم سانحة على أكثر من صعيد.
اقرأ أيضا| هل بقي مِن شك في مشروع «إسرائيل الكبرى»؟
ولم تهدأ فضيحة سرقة محاضر أمنية وعسكرية وتزويرها وتسريبها إلى صحيفة «بليد» الألمانية و«جويش كرونيكل» البريطانية، حتى انفجرت فضيحة تساحي برافرمان رئيس ديوان مكتب نتنياهو، الذي يُشتبه بأنه ابتز ضابطاً في الجيش عن طريق شريط فيديو «مخجل» سجلته الكاميرات الأمنية لمكتب نتنياهو، مقابل تغيير محاضر اجتماعات عسكرية هامة. والطريف أن محاكم الاحتلال تتهم نتنياهو بالإضرار بجهود إطلاق سراح الرهائن، ورئيس الحكومة يتهم الشرطة بقيادة حملة مطاردة ضد مكتبه ومساعديه.
وعلى المنوال ذاته من استغلال المناسبات كافة لخدمة أجنداته، سارع نتنياهو إلى امتطاء أكاذيب الصدامات بين جماهير كروية في أمستردام لتضخيم الوقائع واختلاق مناخات العداء للسامية، فأرسل من جهة أولى طائرات لإخلاء المشجعين الإسرائيليين وكأنهم كانوا ضحايا تسونامي، ومن جهة ثانية أوعز إلى مجلس الأمن القومي بإصدار توجيهات إلى الإسرائيليين للامتناع عن حضور مباراة مقبلة مع فرنسا في باريس، وتجنّب المشاركة في أي أنشطة أو مناسبات تتضمن تجمعات واسعة.
وهكذا، من كرة القدم في أمستردام وباريس، إلى التباهي بجريمة حرب الـ»بيجر» مروراً بتعيين وزراء بيادق وابتزاز ضباط… تعددت أنساق التزييف والاستغلال والفضائح، ويبقى نتنياهو مجرم الحرب واحد.