اليمن

تصريحات الحوثيين.. تخدير السعوديين وتحريض ضد المملكة

الحوثي يحاول استثمار الشعبية التي حصل عليها بعد أحداث غزة عند بعض العرب والمسلمين، ولهذا ظهر في هذا الخطاب محرضا المسلمين في كل مكان وليس اليمنيين فقط.

أثارت تصريحات قيادات الحوثيين المتعلقة بالحج في الأيام الماضية جدلا واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي.

هذا الجدل ردة فعل طبيعية، ففي اللحظة نفسها التي يظهر فيها يحيى الرزامي وبجانبه نجل مؤسس جماعة الحوثي علي حسين الحوثي قبل مغادرة مطار صنعاء ليشكروا فيها المملكة العربية السعودية على جهودها في تسهيل عملية الحج، يظهر زعيم جماعة الحوثي عبدالملك الحوثي في خطاب مصور يهاجم فيه المملكة العربية السعودية ويتهمها بأنها تبتز الحجاج، وتتاجر بالحج، وتنفذ إجراءات معقدة بشدة تحرم كثيرا من المسلمين من فريضة الحج، إلى غيرها من الأكاذيب التي اعتادت عليها الجماعة وعرفت بها.

الرزامي يشكر السعودية على تسهيل الحج، وفي اللحظة نفسها الحوثي يتهم السعودية بتعقيد الإجراءات والابتزاز والمتاجرة؟!

قرأت منشورًا لأحد الشخصيات المعروفة بقتالها للحوثي وهو يستغرب ما وصفه بالتخبط، وقد وصفه بـ “التناقض الغريب”. وفي الحقيقة، كثير من خصوم الحوثي وأتباعه يعتقدون أن مثل هذه التصريحات تشير إلى تخبط الحوثيين، وهذا اعتقاد خاطئ يذكرنا بتصريحات الحوثيين قبل سطوهم على صنعاء التي كان يظهر عليها “التناقض العجيب” كما وصفه صاحبنا.

أولًا، من الخفة والسذاجة اعتقاد البعض أن العكفي أو “زنجي المنزل” (وهو الوصف الذي أطلقه المناضل الأمريكي “مالكوم إكس” على الزنوج الذين كانوا يدافعون عن سادتهم البيض ويقفون ضد أهاليهم السود الذين يناضلون من أجل الحرية) قد أدلى بهذا التصريح الذي يشكر فيه جهود المملكة دون إذن مسبق وضوء أخضر من عبدالملك الحوثي شخصيا، وهذا ما أكده أحمد الرزامي شقيق يحيى الرزامي في رده على أحد المعلقين في موقع التواصل الاجتماعي (X).

السؤال: لماذا يجعلون العكفي الرزامي يشكر المملكة في مواقع التواصل أو في بعض القنوات الحوثية محدودة الانتشار، وفي ذات اللحظة يظهر زعيم الجماعة محرضا ضد قيادة المملكة في خطاب تتناقله المؤسسات الإعلامية الدولية؟

من المهم الإشارة هنا إلى أن الحوثي يحاول استثمار الشعبية التي حصل عليها بعد أحداث غزة عند بعض العرب والمسلمين، ولهذا ظهر في هذا الخطاب محرضا المسلمين في كل مكان وليس اليمنيين فقط من خلال استخدامه لهذه العبارات: “المسلمون يعانون”، “على عباده المسلمين”، “يمارسها النظام السعودي تجاه المسلمين”، “أعاقت الكثير من المسلمين عن التمكن من أداء تلك الفريضة العظيمة والمباركة”، “قيود تحرم الكثير من أبناء الأمة من أداء هذه الفريضة”، “النظام السعودي يبتز الحجاج”، “زيادة مؤثرة على كثير من أبناء الإسلام”، “الظروف الصعبة التي يعاني منها المسلمون”.

المدح هنا والذم هناك ليس تخبطا كما يعتقد الكثير، وإنما أسلوب حوثي مدروس استخدموه كثيرًا لتخدير اليمنيين في كل منطقة قبل السيطرة عليها عليها.

كان جزء من الحوثيين يذهبون إلى المؤتمريين ويقولون لهم إنهم ليسوا المستهدفين بتحركاتهم وإنما الإصلاحيون هم المستهدفون، بل ويستخدمون مصطلحات وشعارات تشعر قيادات المؤتمر أنهم يتفقون معهم سياسيًا.

ثم يذهب فريق آخر منهم إلى الصلاحيين ليقوموا بذم حزب المؤتمر ويطمئنوهم بأن الحوثية لا تستهدف الإصلاح بل تستهدف المؤتمر الشعبي العام وعلي عبدالله صالح ويستخدمون شعارات ثورية تشعر الإصلاحي أنهم الأقرب لهم.

ويذهب فريق حوثي ثالث إلى الاشتراكيين ثم يحدثونهم عن خطورة “تحالف 94” أي المؤتمر والإصلاح وضرورة إسقاطهم لاستعادة مؤسسات الدولة، ويذهب فريق رابع إلى الحراك الجنوبي ليحدثوهم عن مظالم الوحدة ويقولون إنهم يؤيدون “حق تقرير المصير”. وفريق آخر إلى الحزب الناصري ويحدثوهم عن أهمية إسقاط القوى التقليدية في اليمن وضرورة مواجهة السعودية.

ليس هذا وحسب.. بل يذهبون إلى الأمريكان يعرضون خدماتهم لهم ويعدونهم بقتال تنظيم القاعدة والإرهاب، في المقابل يفرجون عن قيادات في القاعدة ويمدونهم بالسلاح تحت شعار “قتال أمريكا وإسرائيل”.

ويذهبون إلى السفير الروسي ليحدثوه عن اتفاق منهج الحوثية مع رؤية كارل ماركس والاشتراكية، ثم يخطبون ود الصينيين بالالتزام لهم أن جماعتهم عند سيطرتها على السلطة ستسلم لهم مهمة إعادة البناء والإعمار.. ويذهبون لبعض دول الخليج ليقولوا لهم أن مهمتهم في اليمن فقط القضاء على الإخوان المسلمين.. وهكذا. يخدرون كل الأطراف المحلية والدولية ليخلوا الأمر ويتمكنوا من السيطرة. هكذا هو دأب الجماعات الصغيرة أمثال الحوثية في اليمن والحشاشين في إيران، تلعب على التناقضات وتجيد الدسائس وتخدير الأطراف الفاعلة لتستفرد بكل طرف.

خلاصة القول: تصريحات الرزامي المحدودة هدفها تخدير السعوديين وتحييدهم لتتهيأ لهم فرصة السيطرة على المناطق اليمنية المحررة، وخطابات عبدالملك الحوثي واسعة الانتشار هدفها تحريض المسلمين ضد المملكة العربية السعودية وتشويه صورتها، وكل ذلك من أجل إسقاط النظام فيها كهدف استراتيجي للمنظومة الخمينية في المنطقة.

وهذا يعني أن تلك الخطابات ليست متناقضة كما ذهب إلى ذلك البعض بل تتكامل لتحقيق هدف واحد وهو تمكين الحوثيين والتهيئة لإسقاط خصومهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى