من المتوقع أن يكون لحرب غزة تأثير كبير على الأميركيين العرب في انتخابات نوفمبر المقبلة. وتنبثق هذه الملاحظة الرئيسية من استطلاع رأي وطني أُجري في منتصف سبتمبر الجاري على 500 ناخب أميركي عربي مسجل بواسطة شركة «جون زغبي ستراتيجيز» لصالح المعهد العربي الأميركي.
لقد أعادت هذه الهجمات المدمرة التي استمرت عاماً كاملاً على غزة تشكيل هيئة الناخبين الأميركيين العرب، مما أدى إلى تغيير النظرة تجاه الحزب «الديمقراطي» وتقليل الحماس للتصويت، والتأثير سلباً على الميل للتصويت لنائبة الرئيس كامالا هاريس. على مدار ثلاثة عقود من استطلاع آراء الأميركيين العرب، كانت الجالية تفضل «الديمقراطيين» باستمرار، بنسبة دعم ثابتة 2:1 على مدار السنوات. ومع ذلك، فإن تعامل إدارة بايدن مع الأزمة في غزة قد أضعف هذا الدعم، حيث بات الأميركيون العرب الآن منقسمين بالتساوي بين الحزبين – بنسبة 38.5% لكل منهما.
بهامش طفيف (46% إلى 44%)، يفضل الناخبون في المجتمع أن يسيطر الجمهوريون على الكونجرس المقبل. تظل نسبة الإقبال على التصويت بين الأميركيين العرب دائماً حوالي 80%. ولكن هذا العام، يقول 63% فقط إنهم متحمسون للتصويت في نوفمبر، وهو ما قد يؤثر على نسبة الإقبال. لقد أثر هذا الوضع أيضاً على فرص هاريس في الفوز بأصوات الأميركيين العرب في منافستها مع الرئيس السابق دونالد ترامب.
ففي حين حصل بايدن على 59% من أصوات الأميركيين العرب في 2020، مقابل 35% لترامب، يظهر استطلاع هذا العام تعادلاً شبه كامل بنسبة 41-42% في مواجهة بين مرشحين متعددين. والأخطر بالنسبة لهاريس هو أن ترامب يتفوق بين الناخبين المحتملين بنسبة 46% مقابل 42%. رغم أن بعض «الاستطلاعات» غير العلمية اقترحت أن مرشحاً من طرف ثالث قد يحظى بأغلبية أصوات الأميركيين العرب، إلا أن استطلاع المعهد العربي الأميركي يظهر أن جميع مرشحي الطرف الثالث مجتمعين يحصلون على 12% فقط من أصوات المجتمع. بدلاً من ذلك، يستفيد ترامب من غضب المجتمع بسبب فشل إدارة بايدن في معالجة الأزمة في غزة.
ربما يكون هذا الأمر مفاجئاً نظراً لسجل ترامب وتصريحاته الأخيرة، ولكن هناك بعض العوامل التي قد تفسر ذلك. قد تكون هناك رغبة في معاقبة «الديمقراطيين» على الصدمة التي استمرت عاماً كاملاً. بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من سجل ترامب السيئ في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني ودعمه لأهداف الحرب الإسرائيلية، فإن استطلاع المعهد العربي الأميركي يُظهر أن المجموعات الفرعية التي كانت مرتبطة سابقاً بالحزب «الجمهوري» تعود لدعمه. وعلاوة على ذلك، يقول 81% من الأميركيين العرب إن غزة ستكون عاملاً مهماً يحدد اتجاهات تصويتهم في الانتخابات الرئاسية.
وعند سؤالهم عما إذا كانت هاريس ستطالب بوقف إطلاق النار الفوري وتقديم المساعدات الإنسانية دون عوائق للفلسطينيين في غزة أو حجب الدعم الدبلوماسي والعسكري عن إسرائيل حتى وقف إطلاق النار وانسحاب قواتها من غزة، فإن دعم الأميركيين العرب لهاريس في هذه الحالة سيرتفع إلى حوالي 62%. هذا الدعم الجديد لهاريس سيتضمن ثلث ناخبي ترامب تقريباً، بينما سيختفي الدعم تقريباً للمرشحين من أطراف ثالثة. وإذا قام ترامب بالمطالب نفسها تجاه إسرائيل، فإنه سيستفيد أيضاً، حيث سيرتفع دعمه إلى 56% مع زيادة تأتي من ربع ناخبي هاريس ونصف أصوات المرشحين من أطراف ثالثة. وفي حين أن هذه التدابير ضرورية ومهمة لإنهاء الحرب، قد يعتبر الإعلان عن تغيير في السياسة من هذا النوع أثناء الحملة الانتخابية مهمة صعبة.
وكان يمكن لخطوات أقل دراماتيكية أن تساعد في كسب المزيد من دعم الأميركيين العرب. على سبيل المثال، فقدت هاريس فرصة مهمة برفضها دعوة أميركي فلسطيني له عائلة في غزة ليكون متحدثاً في مؤتمر الحزب «الديمقراطي». وعندما سئل الناخبون عما إذا كان توجيه مثل هذه الدعوة سيحدث فرقا في تصويتهم، كان الرد بالإيجاب وبنسبة كبيرة.
وكان من الممكن أن ترتفع نسبة تصويت الأميركيين العرب لصالح هاريس إلى 61%. لقد تم إهدار هذه اللحظة، ولكن إذا أتيحت فرص أخرى، وكانت هاريس لا تزال ترغب في دعم الأميركيين العرب، فلا ينبغي تفويتها. على مدار 30 عاماً من استطلاع آراء الناخبين الأميركيين العرب، لم نشهد شيئاً يشبه الدور الذي تلعبه الحرب على غزة في سلوك الناخبين. لقد أثرت الفظاعات المستمرة لمدة عام في غزة والكارثة التي تواجه لبنان الآن على كل مجموعة فرعية داخل المجتمع، مع وجود اختلافات طفيفة بين الطوائف الدينية والبلدان الأصلية والمهاجرين أو المولودين في الولايات المتحدة والنوع والفئات العمرية.
ومع اقتراب موعد الانتخابات، سيراقب الأميركيون العرب، وكذلك، كما أظهرت استطلاعاتنا للناخبين الأميركيين بشكل عام، الناخبون الشباب والناخبون غير البيض الذين يشاركونهم نفس الاهتمامات، لمعرفة ما إذا كانت مخاوفهم العميقة تجاه غزة ولبنان ستحظى بالتقدير والاحترام مع وعد بالتغيير.