دعوة للتفكير خارج صندوق بروتوكول باريس الاقتصادي
بات واضحاً أننا أمام حالة ابتزاز «اقتصاد الابتزاز» بدايته قطع المياه وتخفيض كمياتها من قبل شركة (ميكروت) وهو قرار سياسي حتماً، وقد يتوسع هذا الابتزاز بقضايا أخرى. ترى ماذا نحن فاعلون ..هل ننتظر؟ هل نحسب حسابات؟
كانت الطاولة المستديرة في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية (ماس) الأسبوع الماضي مخصصة لنقاش آليات خفض الواردات من السوق الإسرائيلي (إحلال الواردات)، وعرضت ورقة إحصائيات عن 36 مجموعة سلعية تُستورد من السوق الإسرائيلي، تشكل 55% من حجم وارداتنا وجميعها بالإمكان استبدالها بمنتجات فلسطينية، وتعرضت الورقة بالتفصيل لدور الحكومة ودور القطاع الخاص والبعد الشعبي المهيّأ والجاهز لهذا الفعل.
الحضور على الطاولة متنوع من رجال أعمال وأكاديميين وممثلي وزارات ومستهلكين، ولكن المزاج يعتبر أن الحديث مكرر ولم نصل الى نتائج، والأهم هو الإجابة على السؤال المحوري (كيف؟) ( ما هي الأدوات؟) (تقسيم الأدوار بين المستويات الحكومية والقطاع الخاص والمستهلكين والبعد الشعبي)، طبعاً هناك من ذهب باتجاه أن يحمّل معهد ماس مسؤولية التوعية وهز وعي المواطن بأرقام حول توزيع الـ 1.5 مليار دولار وثقل الـ 36 مجموعة سلعية التي تورد من السوق الإسرائيلي وعبره، وعملياً هذا ليس دوره بالأساس.
الإجماع كان أن تحمل الورقة ومحاور النقاش على الطاولة الى طاولة الحكومة، ليكون واضحاً ما هي الاستخلاصات والإجابة على كيف؟ وهذا مهم ولكنه ليس كل شيء، بل يجب ان نتحمل جزءاً من المسؤولية، خصوصاً على المستوى الشعبي الذي يجب أن يعرف انه يمتلك اثرا وثقلاً في هذا الملف من حيث تقليل السلع من السوق الإسرائيلي، وضرورة حث التجار والموزعين على التحول باتجاه سلع أخرى أو مواد خام تخدم عملية إنتاج السلع ضمن مجموعة الـ 36، والحكومة عليها دور ولكن يجب أن تفكر به خارج صندوق بروتوكول باريس الاقتصادي الذي ضيّق مساحة التفكير وجعلها محصورة.
الحكومة صاحبة الدور الأكبر تركز على العوائق غير الجمركية بالتركيز على المواصفات الفلسطينية التي تشكل معيقاً لأي منتج لا يطابق كود الأغذية العالمي، ولا يتطابق مع سلامة الأغذية والسلع لضمان صحة المستهلك الفلسطيني، وعملياً ببساطة اعتماداً على المواصفة والمعايير الفنية الإلزامية والكودات الدولية، نستطيع ببساطة إخراج 50% من المتواجد على رفوفنا في المتاجر ولا يناسب حماية المستهلك.
وتستطيع الحكومة التركيز على التعامل بالمثل طالما «الصحة الإسرائيلية» تطلب تسجيل المنتجات التي يسمح بتسويقها في سوقنا، وتتقاضى مبلغاً مالياً مقابل كل حجم من المنتجات وليس المنتج فقط، لماذا لا نحقق ذلك فلسطينياً عبر تسجيل المنتجات التي تورد لسوقنا؟ وهذا في الاتجاهين، إيرادات وعائق غير جمركي بل فني معتمد في العالم.
منظمة التجارة العالمية لا تضم فلسطين في عضويتها، ولكن إجراءاتها تلغي الجمارك على سلع الأعضاء، وتمارس بعض الدول الأعضاء ضريبة تسمى ضريبة الرفع لحماية المنتجين المحليين والمزارعين، كما يحدث في السوق الإسرائيلي مثلاً.
ملاحظات تقييمية أن جزءاً من الحضور يمارس جلد الذات باقتدار، بحيث يعتبر أن الجميع فشل، وهذا منطق قد نمر عليه مروراً إذا كان ممن لا حول لهم ولا قوة، ولكن أن يأتي من أكاديميين أو مسؤولين سابقين فإن الأمر مختلف تماماً ويحتاج الى توقف، خصوصاً اذا كان الاتهام بالفشل موجهاً للمستهلك وهو الحلقة الأضعف، ويتساوى بالمسؤولية مع الحكومة والقطاع الخاص!!!!
يجتهد معدو الأوراق في معهد ماس بحيث تكون مُحكمة وذات استنتاجات واستخلاصات وقابلة للتداول بعد النقاش، بحيث تذهب الى طاولة المسؤول لتشكل مادة تساهم في صناعة القرار بعيداً عن التمترس في مربع بروتوكول باريس الاقتصادي.
من المفيد أن يكون لدينا وزارة الصناعة رغم أن الظرف المادي والعام لا يتيح هذا التوسع، لكن عندما يكون هناك نقاش تجد أن الزاوية التي ينطلقون منها مهمة وقريبة من الواقع، وهذا لا يقلل من أهمية بقية الوزارات المشاركة.
القطاع الخاص على الطاولة كان موضوعياً ولم يكبّر حجره، وفي ذات الوقت كان محفزاً لموضوع «المكارعة» بمعنى أن نبادر لاتخاذ خطوات ولا نظل مترددين.
وبات واضحاً أننا أمام حالة ابتزاز «اقتصاد الابتزاز» بدايته قطع المياه وتخفيض كمياتها من قبل شركة (ميكروت) وهو قرار سياسي حتماً، وقد يتوسع هذا الابتزاز بقضايا أخرى. ترى ماذا نحن فاعلون ..هل ننتظر؟ هل نحسب حسابات؟ أم نبادر ولا نكون ضمن ردة الفعل، بحيث نبحث عن البترول والأسمنت، ونذهب باتجاه الكهرباء عبر الطاقة المتجددة والربط البيني مع الدول العربية، وغيرها من أسواق أخرى غير السوق الإسرائيلي.