«بانكر باستر».. هل استخدمت إسرائيل قنبلة أمريكية «محظورة» في مقتل حسن نصر الله؟
بقنابل خارقة للتحصينات من طراز بانكر باستر “bunker buster”، تكشفت ملامح العملية الإسرائيلية لاغتيال أمين عام “حزب الله” اللبناني حسن نصر الله، إذ استخدم الجيش الإسرائيلي 85 قنبلة لإتمام هذه العملية داخل الأراضي اللبنانية، وفق إعلام عبري.
وأعلن الجيش الإسرائيلي، السبت، مسؤوليته عن “تصفية” زعيم “حزب الله” حسن نصر الله في غارة جوية، فيما قال المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي، عبر حسابه على موقع “إكس”، إن “نصر الله تم تصفيته خلال عملية استهدفت القيادة المركزية لحزب الله الواقعة أسفل مبنى سكني في الضاحية الجنوبية لبيروت”.
وعقب الغارة الإسرائيلية، اتهم وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي حول الشرق الأوسط، النظام الإسرائيلي باستخدام عدة قنابل أمريكية “خارقة للتحصينات” لضرب المناطق السكنية في بيروت.
وبحسب القناة 13 الإسرائيلية، أسقطت القوات الجوية الإسرائيلية حوالي 85 قنبلة مخترقة للتحصينات تحمل كل منها طنًا من المتفجرات، لاغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية لبيروت.
أكبر قنبلة أمريكية غير نووية
وتعد بانكر باستر، أكبر قنبلة أمريكية غير نووية خارقة للتحصينات، وهي مصممة خصيصًاً لتدمير الأهداف المحصنة أو المدفونة تحت الأرض، ولها فولاذ أكثر سمكًا من العديد من القنابل الأخرى، كما أنها قادرة على اختراق التحصينات لمسافة 100 قدم تحت الأرض، و20 قدما من الخرسانة قبل أن تنفجر لتدمير هدفها.
وينقسم هذا الطراز من القنابل إلى أنواع عدة، منها المُلقاة بالمدفعية، المُلقاة من الجو، التي يتم التحكم بها عن طريق صمامات التفجير “الفتيل” ومنها أيضاً الصاروخي والنووي، وهي أسلحة متخصصة طورها الجيش الأمريكي لاختراق وتدمير الهياكل شديدة التحصين أو المدفونة بعمق.
وجرى تصميم هذه القنابل الخارقة للتحصينات لاستهداف المخابئ العسكرية والمنشآت الموجودة تحت الأرض والمواقع المحصنة التي لا تستطيع الذخائر التقليدية تدميرها، ما أدى إلى تحويلها إلى أدوات أساسية في الحروب الحديثة.
وبحسب التحليلات العسكرية، تعتبر هذه القنابل سلاحًا حاسمًا في استراتيجية الولايات المتحدة لتحييد مواقع التطوير النووي تحت الأرض، وخاصة في دول مثل إيران أو كوريا الشمالية، إذ تكمن القوة الأساسية لها في القدرة على اختراق طبقات التربة أو الصخور أو الخرسانة المسلحة.
ويتم تصميم أغلفة هذه القنابل من مواد فائقة القوة، ما يسمح لها بتحمل التأثير الكبير قبل الانفجار في عمق الهدف، كما يتم تجهيزها بتكنولوجيا متقدمة موجهة بالليزر أو موجهة بنظام تحديد المواقع العالمي، لتقليل خطر الأضرار الجانبية وزيادة احتمالية ضرب المواقع الرئيسية تحت الأرض أو المحصنة بنجاح.
تنفجر بعد اختراق الهدف
وتأتي القنابل الخارقة للتحصينات بصمامات مؤجلة، ما يسمح للقنبلة بالانفجار فقط بعد اختراقها هدفها، الأمر الذي يضمن أقصى قدر من الضرر للمنشآت تحت الأرض، مثل مراكز القيادة أو مستودعات تخزين الأسلحة وغيرها.
ولا يحظر القانون الدولي القنابل الخارقة للتحصينات على وجه التحديد، لكن استخدامها في المناطق السكنية يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي بموجب اتفاقيات جنيف، نظرا لاحتمالات وقوع إصابات جماعية في المناطق الآهلة بالسكان.
وبحسب صحيفة “الجيروزليم بوست” العبرية، فإن تاريخ إسرائيل مع استخدام القنابل الخارقة للتحصينات يرجع إلى عام 1981، عندما تم تدمير المفاعل النووي العراقي، الأمر الذي دفع إيران وحماس وحزب الله آنذاك إلى بناء منشآت تحت الأرض، في مواجهة القنابل الخارقة للتحصينات والتي كان أبرزها في هذا الحين قنبلة “جي بي يو-28”.
وتم تدمير المفاعل النووي في العراق عام 1981 على يد 8 طيارين من سلاح الجو الإسرائيلي باستخدام قنابل “حديدية” عادية وبسيطة، لكن إيران تعلمت هذا الدرس عندما بدأت برنامجها النووي العسكري، من خلال بناء منشآت إنتاج تحت الأرض محمية بأطنان من الخرسانة والصخور الطبيعية، كما تعلمت حماس وحزب الله هذا الدرس أيضا وعملوا على بناء الأنفاق ومخابئ القيادة تحت الأرض.
وقد أدى هذا إلى اهتمام سلاح الجو الإسرائيلي بالقنبلة الأمريكية “جي بي يو-28″، التي تم تقديمها في نهاية حرب الخليج عام 1991 للسماح للولايات المتحدة باستهداف المخابئ التي كانوا يأملون فيها قتل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
سلاح أمريكي غير معلن عنه
ولم تعلن الولايات المتحدة مطلقًا أنها باعت هذه القنابل الخارقة للتحصينات لإسرائيل لتجنب اتهامها بتسليحها لشن هجوم على إيران، ورغم ذلك ذكر تقرير لموقع “والا” العبري، أن سلاح الجو الإسرائيلي تلقى مثل هذه القنابل في وقت مبكر من العقد الماضي.
واكتفت الولايات المتحدة بالإعلان عن بيع نسخة أصغر من هذه القنابل من طراز “جي بي يو -37″ لإسرائيل، كما تم تجهيز سلاح الجو الإسرائيلي أيضًا بقنابل خارقة للتحصينات من صنع شركة “Elbit”، والمعروفة باسم MPR-500 في نسختها التصديرية.
و”جي بي يو -37” هي قنبلة موجهة بدقة لاختراق المخابئ ومصممة لاستهداف المنشآت العسكرية تحت الأرض، وعلى عكس “جي بي يو-28” الموجهة بالليزر، فإن هذه القنبلة موجهة بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، ما يجعلها فعالة في ظروف الطقس السيئة وضمان الدقة في ضرب الأهداف المدفونة بعمق.
خرق للقانون الدولي
في السياق، قال الإعلامي والأكاديمي اللبناني قاسم قصير، إن الدولة اللبنانية تدرس حاليا تشكيل لجنة لإعداد شكوى رسمية تقدم إلى مجلس الأمن الدولي ضد إسرائيل، لأن اغتيال حسن نصر الله الأمين العام لـ”حزب الله” يعد جريمة حرب، وفق القانون الإنساني الدولي.
وأوضح قصير في تصريح لـ”جسور بوست”، أن استخدام إسرائيل لهذا النوع من القنابل الخارقة للتحصينات في المناطق السكنية واستهداف المدنيين في الضاحية الجنوبية لبيروت، هي جريمة دولية لا يمكن الصمت عليها أو التغاضي عنها.
وأضاف: “الدولة اللبنانية تدرس حاليا سبل الرد على الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل على أراضيها، لا سيما أن هذه الحرب الطاحنة ستكون لها انعكاسات خطيرة على لبنان والمنطقة بأكملها في جميع النواحي”.
محظور استخدامها بالمناطق السكنية
ومن جانبها، قالت الدكتورة هالة أبو حمدان، الأكاديمية والخبيرة بالقانون الدولي بلبنان، إن القانون الدولي لم يحظر استخدام القنابل الخارقة للتحصينات في ميادين الحرب، لكن استخدامها في المناطق السكنية واستهداف المدنيين يشكل انتهاكا صريحا للقانون الدولي الإنساني.
وأوضحت أبو حمدان، في تصريح لـ”جسور بوست” أن الضاحية الجنوبية لبيروت تعد منطقة سكنية مكتظة بالسكان والبنايات بها تكاد تكون متلاصقة، وهو الأمر الذي دفع إسرائيل من أجل استهداف الأمين العام لـ”حزب الله” أن تقوم بتدمير 4 بنايات تدميرا كاملا يؤدي إلى استهداف المدنيين بالضرورة.
وأضافت: “مبادئ القانون الدولي الإنساني تنص على ضرورة تجنيب المدنيين أثناء النزاعات، والتناسب بين الغاية الحربية والضرر من ورائه، وكذلك عدم ملاحقة واستهداف قادة التنظيمات ما لم يكونوا مشاركين في ميادين القتال، وجميع هذه المبادئ تم انتهاكها من قبل القوات الإسرائيلية التي تستهدف تدمير البنى التحتية وقتل المدنيين”.
وعن إمكانية لجوء الدولة اللبنانية إلى محكمة العدل الدولية، أشارت هالة أبو حمدان إلى أن هناك مخاوف تحاط بخطوة اللجوء إلى القضاء الدولي لأنه ليس محايدا، وبالتالي سيلجأ إلى اتهام قادة إسرائيل بالتوازي مع اتهام قادة المقاومة أو الزعماء السياسيين اللبنانيين المؤيدين للمقاومة، وهو ما سيفرغ تلك الخطوة من مضمونها مثلما فعلت المحكمة الجنائية الدولية في غزة.