انهيار السلطة الفلسطينية مسعى إسرائيلي وإيراني
العديد من الدول تنتظر انهيار السلطة الفلسطينية، ففي الفوضى وغياب النظام، تتنامى مصالح الدول في السيطرة على القرار الفلسطيني.
تزاحمت التقارير الدولية حول احتمالية انهيار السلطة الفلسطينية، بسبب الإجراءات التي اتخذتها حكومة الاحتلال الإسرائيلي؛ يمينية التوجه السياسي، حيث تشير تلك التقارير الصادرة من مملكة النرويج، التي تترأس مجموعة المانحين الدولية للفلسطينيين، إلى أنَّ السلطة قد تنهار خلال أشهر الصيف القليلة المقبلة.
سيناريو تقويض السلطة الفلسطينية بدأ منذ عام 2007 عندما انسحبت إسرائيل من القطاع وسمحت لحركة حماس بالقيام بانقلابها على مؤسسات السلطة، ومن ثم دعمتها بحروب منحت الحركة نوعاً من الشرعية النضالية أمام الشعب الفلسطيني في القطاع عززت من تمكن حكمها.
الدعم الإسرائيلي لم يتوقف عند حدود منح الشرعية، بل أيضاً مُولت الحركة بأموال كانت تأتي بحقائب ترسلها دولة قطر عبر مطار بن غوريون لتصل قادتها في القطاع.
لم تعد سراً استراتيجية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي اعترف أمام لجان الكنيست للأمن والخارجية، ولجان حزبه في الليكود، بأن من يريد أن يمنع الدولة الفلسطينية يجب عليه إبقاء حكم حركة حماس بدعمها وتمويلها، وضرب الكيانية السياسية الفلسطينية والمتمثلة بالسلطة الفلسطينية التي تناكف إسرائيل أمام المجتمع الدولي للحصول على دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967.
لطالما استخدم نتنياهو حكم حماس لغزة للهروب من استحقاقات العملية السلمية التي بدأت باتفاق أوسلو، ليتقاطع اليمينان الإسرائيلي والفلسطيني في نقطة واحدة، وهي تدمير ما نتج عن اتفاق من سلطة فلسطينية أُسست لتكون نواة الدولة الفلسطينية المنشودة.
مجدداً، رهان نتنياهو على استمرار حكم حماس لقطاع غزة، اصطدم بهجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. وبعيداً عن نظرية المؤامرة حول ما جرى، وعلم إسرائيل من عدمه بمخطط الحركة وتوظيفه في تسيير مصالحها، وهو ما يحتاج دراسة وتمحيصاً لبيان الحقائق، غاب عن نتنياهو ومنظومته اليمينية تناقض فكر حماس وتذبذب تحالفاتها في المنطقة، فبين إيران وتركيا وسوريا وقطر، تنقلت الحركة سريعاً في علاقاتها السياسية في تحول دراماتيكي أفقدها هويتها الوطنية الفلسطينية، وأصبحت بحكم الحركة المرتزقة التي تبيع اصطفافها السياسي مقابل من يدفع أكثر ويمول مصاريف قياداتها وعناصرها.
هذه هي الحقيقة التي غابت عن استراتيجيات حكومات نتنياهو المتعاقبة خلال العقد الأخير، فمن ترك سوريا لصالح قطر، ويتنقل بين إيران وتركيا، سيأتي اليوم لينقلب فيه على تفاهمات عقدها مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي وأجهزتها الأمنية والاستخباراتية. وهو ما يضع المجتمع الدولي أمام معضلة استمرار سعي حكومة بنيامين نتنياهو ووزرائه المتطرفين؛ بتسلئيل سموتريش وإيتمار بن غفير، في تقويض حكم السلطة بعقوبات مالية وإجراءات استيطانية، ستخلق فراغاً وفوضى ستملؤهما إيران ووكلاؤها في المنطقة.
منذ بداية الحرب على قطاع غزة، راهنت حكومة نتنياهو من طرف، وحماس ومن خلفها إيران من الطرف الآخر، على سقوط السلطة الفلسطينية وانهيارها، بمحاولات مستمرة لإشعال جبهة الضفة الغربية بتهريب أسلحة وتمويل شرائها، فضلاً عن السعي لخلق رأي عام ضدها، أو الترويج لتدني شعبيتها باستطلاعات رأي مغلوطة، أو فتح ملف إصلاحها لخفض مطالب قادتها المنطلقة من حقوق الفلسطينيين المشروعة.
العديد من الدول تنتظر انهيار السلطة الفلسطينية، ففي الفوضى وغياب النظام، تتنامى مصالح الدول في السيطرة على القرار الفلسطيني وتوجيهه بما يحقق أهدافها وإستراتيجيتها، في عودة لحقبة البندقية الفلسطينية التابعة للأنظمة في المنطقة، تماما كما يجري الآن مع دول عربية عاث فيها الإيراني فوضى وفساداً، وأصبح يتباهى بأنَّ عواصمها تتبع لنفوذه وسيطرته، فلا يعقل أن يسعى الفلسطيني ليتخلص من احتلال إسرائيلي ليأتي بديلا عنه احتلال إيراني.