توسيع البنية التحتية للإنترنت، خاصة في المناطق النامية، أمر بالغ الأهمية. يفتقر ثلث سكان العالم إلى الوصول إلى الإنترنت أو لا يستطيعون تحمل تكلفته، وتعاني العديد من الدول الأفريقية من نقص في مراكز البيانات أو نقاط تبادل الإنترنت، ما يجبر البيانات على القيام برحلات دولية طويلة. يُتوقع أن تسهم مشاريع مثل كابل “2Africa”، المقرر إطلاقه في عام 2024، في تسريع الخدمة عبر القارة الأفريقية.
كانت شركات الاتصالات مثل AT&T تشكل تحالفات لتمويل هذه المشاريع. لكن اليوم، تتولى شركات التكنولوجيا الكبرى مثل “غوغل” و”ميتا” هذه المهمة، حيث تحتاج مراكز البيانات الضخمة التابعة لها إلى اتصالات سريعة. استثمرت “غوغل” في أول كابل عابر للمحيط الهادئ في عام 2008، ومنذ ذلك الحين مولت 25 مشروعًا آخر على الأقل، بينما استثمرت ميتا في 15 مشروعًا. هذه الاستثمارات جزء من اتجاه أوسع لشركات التكنولوجيا للسيطرة على البنية التحتية المادية للإنترنت.
الكابلات العابرة للمحيطات
ومن المثير للاهتمام، أن الصين غائبة إلى حد كبير عن هذه الاستثمارات في الكابلات العابرة للمحيطات، وتجنب مسارات الكابلات المقترحة المناطق الحساسة مثل بحر الصين الجنوبي. ورغم التوترات الجيوسياسية، لا تزال حركة الإنترنت الصينية والأميركية تمر عبر العديد من نفس الكابلات. لكن مع تزايد النزاعات العالمية، ستصبح مسألة من يتحكم في البنية المادية للإنترنت أكثر إلحاحًا، ما يجعل أمن الإنترنت ضرورة ملحة.
وفي 7 حزيران/يونيو 2022، تم قطع كابل الألياف الضوئية الرئيسي الذي يربط أوروبا وآسيا، المعروف باسم “آسيا-أفريقيا-أوروبا-1″، عند مروره عبر الأراضي المصرية. أدى هذا العطل إلى فقدان الصومال وإثيوبيا 85% من اتصالهما بالإنترنت لعدة ساعات.
تحويل المسارات
كذلك تأثرت خدمات السحابة لدى عمالقة التكنولوجيا مثل “أمازون”، “غوغل”، و”مايكروسوفت”، ما أدى إلى تأخير في حركة الإنترنت عالمياً، وتعطّل موقع “لينكدإن” لفترة قصيرة. رغم أن العطل كان بسيطًا وتم إصلاحه بسرعة، فإن الخطر يصبح أكبر إذا تم قطع الكابلات البحرية. على سبيل المثال، إذا تعرضت الكابلات عند مدخل البحر الأحمر بين اليمن وجيبوتي للتلف، فستتأثر المعاملات المالية، وستتباطأ مكالمات “زووم” بين لندن وسنغافورة. ورغم أن الاتصال سيستمر عبر التحويل إلى أميركا أو الأقمار الصناعية، إلا أن المستخدمين سيلاحظون تباطؤًا كبيرًا.
تتبع كابلات الألياف الضوئية مسارات مختلفة حول العالم، ما يمنح الإنترنت خيارات لتحويل حركة المرور. في معظم الحالات، إذا تعطل مسار واحد، فإن البيانات ستجد طريقها دون أن يلاحظ المستخدمون. لكن في البحر الأحمر ومصر، يشكل هذا مسارًا حرجًا. معظم البيانات المرسلة من آسيا إلى أوروبا تمر عبر 11 كابلًا في قاع البحر الأحمر، ثم تنتقل عبر كابلات برية في مصر، التي تتحكم فيها شركة “المصرية للاتصالات”، قبل أن تصل إلى البحر المتوسط. إذا حدث شيء كارثي لهذا المسار، سيشعر الناس بالتأثير.
اقرأ أيضا| لصناعة قنبلة.. كيف خدع هاكر «شات جي بي تي»؟
تحمل الكابلات البحرية 99% من حركة الإنترنت بين القارات. ووفقًا لشركة “تيليجيوغرافي” الاستشارية، يتم قطع كابل ألياف ضوئية بحري كل ثلاثة أيام تقريبًا، غالبًا بسبب الصيد أو سحب مرساة السفن. ورغم هذا، فإن الأعطال نادرة بفضل عاملين رئيسيين: هناك 552 كابلًا بحريًا نشطًا أو مخططًا تمتد على مسافة 1.4 مليون كيلومتر، ما يوفر التكرار في معظم المناطق، وهناك أسطول من 60 سفينة إصلاح جاهزة لإصلاح الأعطال في جميع أنحاء العالم.
الاختناق الرقمي
هذا الاختناق الرقمي يثير القلق، خاصة مع هشاشة قناة السويس القريبة، كما أظهر حادث جنوح سفينة “إيفر غيفن” في عام 2021، والهجمات الأخيرة على الشحن البحري. تُحدد البنية التحتية المادية للإنترنت، مثل أماكن وضع الكابلات ومن يتحكم بها، بناءً على الجغرافيا والسياسة والعوامل التاريخية. طريق البحر الأحمر افتتحته الإمبراطورية البريطانية في عام 1870 لكابلات التلغراف، التي تم استبدالها لاحقًا بكابلات محورية، ثم بالألياف الضوئية.
عند انقطاع كابل بحري، تُرسل سفينة إصلاح تستخدم السونار والمركبات تحت الماء لتحديد موقع العطل وجلب الأطراف التالفة للإصلاح. يتضمن هذا الإجراء الدقيق وصل قطعة جديدة من الكابل الضوئي، ثم إعادة دفنها في قاع المحيط. عادةً ما يتم إعادة توجيه حركة الإنترنت تلقائيًا أثناء الإصلاحات، التي تستغرق بضعة أيام فقط.
مسارات بديلة
في المناطق النائية أو المسارات الحرجة، يمكن أن يكون انقطاع الكابل كارثيًا محليًا. في عام 2022، تسبب انزلاق طيني تحت الماء بسبب انفجار بركان “هونغا تونغا-هونغا ها’اباي” في قطع كابل تونغا، ما ترك البلاد بدون إنترنت لمدة خمسة أسابيع حتى وصلت سفينة الإصلاح. العديد من الجزر في المحيط الهادئ تعتمد على كابل واحد فقط، ما يجعلها عرضة للعطل.
بناء مسارات بديلة لقناة السويس سيكون قرارًا حكيمًا، لكنه ليس سهل التنفيذ. في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تم اقتراح كابل يربط جدة باسطنبول عبر عمان ودمشق، لكنه تعرض للتدمير أثناء الحرب الأهلية في سوريا ولم يتم إصلاحه. وفي عام 2021، بدأت غوغل مشروعًا لإنشاء طريق بري جديد يمر عبر إسرائيل، الأردن، والسعودية، لكنه متوقف حاليًا.