الوطن.. ومستقبل مصر السياسي
مصر القوية داخليًا، اجتماعيًا واقتصاديًا، هى مصر التى باستطاعتها إحداث التوازن فى الشرق الأوسط وحماية الوطن
إن مهمة الحكم الحالية أن يؤسس لاستدامة طريق التنمية لمصر العظيمة، اعتمادًا على نظام مستدام، وتداول للسلطة بإرادة حرة للناخبين، واحترام لتوازن القوى داخل المجتمع المصرى.
وربما يكون الاهتمام الأكبر للمواطن الآن يتركز على فاعلية الحكم، أى قدر الإنجاز والاستجابة لمطالب المواطن بغض النظر عن الفكرة الأيديولوجية التى يتبناها أى نظام.
وعلى قيادة البلاد العمل على استدامة التنمية والحكمة فى عدم تكرار أفعال أدّت إلى الفشل وانتظار نتائج مختلفة.
مصر القوية داخليًا، اجتماعيًا واقتصاديًا، هى مصر التى باستطاعتها إحداث التوازن فى الشرق الأوسط وحماية الوطن.
إن علينا سياسيًا أن نركز على العناصر التالية:
– فاعلية الحكم.
– كفاءة المؤسسات.
– الرقابة والمساءلة المستقلة عن السلطة التنفيذية.
– نظام عدالة مستقل وفعّال.
– نظام تعليم وثقافة يتيح للمواطنين بناء قدراتهم ليكون عندهم فرصة اختيار الأفضل، والمساهمة الفعالة فى الإسهام فى تنمية أنفسهم ومجتمعهم.
اقرأ أيضا.. هكذا حوّلت مصر المحنة إلى منحة
ـ الالتزام بتطبيق فلسفة الدستور ومواده، وتوفير حقوق المواطنين.
إننا فى رؤيتنا لمستقبل سياسى يضمن استدامة التنمية، نبحث عن مبادرات تحقق أحلامنا بجمهورية مدنية حديثة، بتوازن بين القوى الحقيقية على أرض الواقع، مبادرة لا تَحرم البلاد من إمكاناتها الإنسانية ولا من مؤسساتها الفاعلة الوطنية، مبادرة تعطى للحرية مكانها واحترامها بضبط العدالة الناجزة التى لا تسمح للحرية بالتحول إلى فوضى، ولا بالتلاعب الانتقائى للقانون، مبادرة تسمح لعموم الشعب بالاختيار الحر، وحسن الاختيار لممثليه فى البرلمان.
لذلك فلابد من إيجاد صيغة جديدة تحترم توازن القوى ولكن لا تهدر قواعد الدولة المدنية، وهذا ما يجب أن يسعى إليه كل أصحاب المصلحة فى المجتمع.
إننا نعتقد أن نظام الحكم الرئاسى، الذى يتولى فيه الرئيس المنتخب سلطات واسعة للحكم، هو النظام الأمثل لمصر، بل هو الواقع السياسى منذ عام ١٩٥٢.
يجب أن يتوازى مع النظام الرئاسى، تمثيل برلمانى يضمن اختيار ممثلى الشعب بحرية، وهو الأمر الذى قد لا يجىء بأفضل العناصر نتيجة للفقر والجهل، ولكنه واجب الحدوث، وإلا حرمنا الأغلبية من إبداء الرأى، لذلك يصبح وجود غرفة أعلى أخرى للبرلمان، كما أقر الدستور المعدل، أمرًا حيويًا ولكن ليس بالطريقة التى تم تطبيقها فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والتى استخدمت أسلوب القوائم المطلقة.
مجلس الشيوخ لا يجب أن يُمَثل فيه سوى عدد محدود من المتعلمين وقادة الفكر فى المجتمع، ويأتى بنظام انتخابى محدد الأطر، ونظام تعيين ينخفض فيه عدد المعينين تدريجيًا عبر عدد محدد من السنوات فى بداية الأمر، ويكون محدد المعايير ومعلنًا.
إن اللامركزية التى أقرها الدستور الحالى والسابق والأسبق، والتى يجب تطبيقها تدريجيًا، هى الوعاء الأوسع للاستماع إلى الشعب على مستوى القرية والمركز والمدينة والمحافظة.
كل ذلك يجب أن يقام على عمودين أساسيين: التطبيق الناجز للقانون، وخطة تنمية إنسانية من خلال التعليم والرعاية الصحية لا يُسمح بالتراجع عنها تحت أى ظروف..
والحقيقة أن المجتمعات التى نجحت فى تنمية بلادها وصلت إلى توليفة تفاهم تمنع دمج الدين بالسياسة، وعدم تحكم فى السلطات المدنية، ورفض الأيديولوجيات البشرية المتطرفة، وممارسة فعالة للحرية واحترام حقوق المواطنين فى إطار تطبيق ناجز للقانون، لا تتنافس فيه المؤسسة الدينية مع المجتمع المدنى على الحكم، حيث تدور عجلة التداول بوضوح، ويبقى أثرها واحترامها وعدم التدخل فى الحكم المدنى، وتبقى المؤسسة الدينية داخل إطار الروحانيات بلا تدخل فى حياة البشر.
الاستثناء هو ما نراه فى الدعم المطلق لإسرائيل وللصهيونية التى تمثل هدرًا لحقوق الإنسانية فى إطار دولة دينية متطرفة بانحياز غير مسبوق معاكس لكل ما تدعيه الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بالذات من قيم يحاسبون الآخرين عليها.
فى الدول النامية، ومنها مصر، فإن المجتمع المدنى والقوى الاقتصادية مازالت فى طور النمو والمشاركة الفعالة فى الحكم.. وكلما نما القطاع الخاص تأتى التغييرات بالثورات لتحجيمه مرة أخرى، ثم نعته بعدم الكفاءة والفساد، بل خلق صورة ذهنية سلبية مستدامة له.
الأيديولوجيا الدينية أثبتت فى مصر عدم ملاءمتها لثقافة الشعب المصرى الذى تخلص منها فى سنة واحدة، وهو ما يُعتبر فى حكم التاريخ عملًا استثنائيًا. ولقد بدأ سقوط سطوة الحكم الدينى فى دول مجاورة ولكن مازالت السلفية تعمل فى مصر تحت سقف واقع سياسى لا يردعها بشكل كافٍ، ومستعدة من خلال تنظيمات دينية ممولة جيدًا من الانقضاض على الحكم فى أى لحظة تراخٍ أو فشل، وهو ما أخشاه من واقع لا يرضى أحلامنا.
العجيب، والذى يحتاج دراسة أيضًا، هو لماذا قامت ثورات الخريف العربى فى الدول الجمهورية ولم تحدث مثلها فى الدول الملكية رغم أنها لا تتمتع بإمكانية الحكم الديمقراطى، وهى دول قائمة على توريث الحكم بدون شراكة من الشعوب؟!!، وذلك لأنها ثورات تأججت نيرانها بفعل فاعل خارجى موجّه.
إن الدولة المدنية الحديثة هى «التطور المنطقى لمصر»، فما هى الدولة المدنية الحديثة التى ندعو لها، وأُسسها، وكيفية ترسيخ مفهومها لدى الأجيال الجديدة؟!.
أذكركم أن الشعب كله وافق على دستور يبدأ بهذه العبارة:
«نحن الآن نكتب دستورًا يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة، حكومتها مدنية».
«يقوم النظام السياسى على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمى للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسؤولية مع السلطة، واحترام حقوق الإنسان وحرياته، على الوجه المبين فى الدستور».
هذه هى مقدمة الدستور والمادة الخامسة منه، والذى وافق عليه الشعب المصرى بأغلبية ساحقة عام ٢٠١٤، ولم تلحق بهذه المقدمة ولا المادة الخامسة تعديلات فى ٢٠١٩ كما حدث لغيرها. الدستور هو مرجعيتنا فى إدارة مصر والحفاظ عليها.
وأختم مقالى بمعركة موازية للتنمية وهى تنمية المواطنة وغرسها فى وجدان شبابنا للاحتفاظ بفلسفة هويتنا وجعلها أساسًا من أسس بناء المستقبل.
المواطنة الإيجابية لا تقتصر على مجرد دراية المواطن بحقوقه وواجباته فقط، التى يجب أن تتوفر له، ولكن حرصه على ممارستها من خلال شخصية مستقلة قادرة على الاختيار بجرأة وتمكين سياسى.
ويؤدى التطبيق المجتمعى لمفهوم المواطنة فى كافة المؤسسات إلى تنمية مجموعة من القيم والمبادئ والممارسات التى تؤثر فى تكوين شخصية الفرد، وهويته، والتى تنعكس فى سلوكه تجاه أقرانه وتجاه مؤسسات الدولة وكذلك تجاه وطنه.
إن مفهوم الانتماء للوطن هو الارتباط الفكرى والوجدانى بالأمة، والذى يمتد ليشمل الارتباط بالأرض والتاريخ والبشر والحاضر والمستقبل، وهو بمثابة شحنة تدفع المرء إلى العمل الجاد والمشاركة البناءة فى سبيل تقدم وطنه ورفعته، وهذه أمور لا تحدث وحدها بل يكتسبها الطفل والشاب من أسرته ومدرسته وجامعته وعمله ومن الثقافة والفن والإعلام.
إن الانتماء للوطن لا يعتمد على مفاهيم مجردة، وإنما على خبرة معاشة بين المواطن والوطن، فعندما يستشعر المواطن من خلال معايشته أن وطنه يحميه، ويمده باحتياجاته الأساسية، ويحقق له فرص النمو والمشاركة مع التقدير والعدل، تترسخ لديه قيم الانتماء له ويعبر عنها بالعمل والبناء لرفعته.
ببساطة الوطن ليس أرضًا بلا شعب، ليس مجرد حدود مرسومة، فالشعب هو روح الوطن. الإنسان هو عبارة عن روح تسكن جسدًا إذا غادرته فإنه يموت، وكل أمة هى روح بتاريخها وثقافتها وحضارتها وعندما تتواجد فى أرض تخلق وطنًا.
الوطن ليس فندقًا نعيش فيه ونتركه إذا لم يعجبنا حاله فى لقطة من التاريخ، ولكنه يعيش فينا بكل تاريخنا وثقافتنا والأهم بآمالنا وأحلامنا.