صوّت الكنيست الإسرائيلي في القراءة الأولى على مشروع ميزانية دولة الاحتلال لعام 2025 بعد مشاجرات بين الأطراف الأشد تطرفاً داخل الائتلاف الحاكم، عكست المزيد من تنافر هذه المكونات، كما أظهرت اتفاقها أساساً على الإيغال أكثر فأكثر في تكريس نظام الأبارتيد والتمييز العنصري، انطلاقاً من قهر الشعب الفلسطيني واستهداف أنساق وجوده، والإمعان في إقامة البؤر الاستيطانية، وانتهاك أبسط الحقوق الإنسانية والشرائع الدولية.
المشهد الأعرض خلف هذه الشجارات هو انكشاف سلسلة متعاقبة من الحقائق الفاضحة حول أكذوبة «الواحة الديمقراطية الوحيدة» في الشرق الأوسط، التي تتضافر في التسويق لها آلة الدعاية الإسرائيلية والمحافل الصهيونية وعدد غير قليل من أنصار دولة الاحتلال هنا وهناك في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. وأول ما يتكشف هذه الأيام ليس التصارع حول بعض بنود الميزانية بين وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير وشريكه وزير المالية الذي لا يقل تطرفاً بتسلئيل سموترتش، بل المناورات الانتهازية حول مسائل مثل إصدار تشريع بإقالة المستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف ميارا.
الأخير يقول عن الأول: «من العار تقويض الائتلاف بسبب هراء» فيردّ بن غفير بأن سموترتش «يتحدث باليمين علناً، لكنه في الممارسة العملية ينقذ المستشارة القضائية من الإقالة، ويوقف الإصلاح القضائي، وينقذ السلطة الفلسطينية من الانهيار الاقتصادي». نواب ما يُسمى «معارضة» في الكنيست غابوا عن جلسة مناقشة الميزانية، وأطلقوا في المقابل مدفعية التصريحات اللفظية ذات العيار الثقيل، على غرار بيني غانتس الذي اعتبر أن سلوك الائتلاف «طيش مطلق» بينما فضّل يائير لبيد تحذير وزير العدل من كارثة وشيكة.
اقرأ أيضا| غطرسة نتنياهو على قمة جبل الشيخ
من جانبه بدا رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وكأن هذه الشجارات لا تُلزمه بأي إجراء انضباطي بحق هذا الفريق المخالف أو ذاك المنشق، ضارباً عرض الحائط بلوائح إدارية تنص على إقالة أي وزير يصوت في الكنيست ضد ميزانية الحكومة. لهذا من غير المتوقع أن يلقى بن غفير مصير وزير الحرب المقال يوآف غالانت، لأنه إنما يواصل طرازاً من المعارضة لسياسات نتنياهو لا يتجاوز الجعجعة.
والثابت أن المشاجرات داخل الائتلاف الحاكم يمكن أن تبدأ من تخفيض الميزانية المخصصة لوزارة بن غفير، وقد تمرّ بالمحاولات المحمومة للإطاحة بالمستشارة القانونية للحكومة، ولا تنتهي عند الحنين الدائم إلى إحياء مشاريع التعديلات القضائية وتجريد المحكمة العليا من معظم صلاحياتها في الرقابة القانونية. لكن أياً من نقاط النزاع لم تصل إلى مستوى المسّ بالميزانية المخصصة لاستمرار حرب الإبادة ضد قطاع غزة، فالاتفاق هنا مطلق والبنود فيه مقدسة تتجاوز أحزاب الائتلاف و«المعارضة» سواء بسواء.
والأرقام تقول إنه من أصل نحو 609 مليار شيكل (169 مليار دولار) هي ميزانية الاحتلال للعام 2025، سيُخصص 108 مليارات شيكل (30 مليار دولار) لوزارة الحرب، علماً بأن الإنفاق على الحروب الإسرائيلية الراهنة في قطاع غزة ولبنان تجاوز 106 مليارات شيكل (28.4 مليار دولار). لا خلاف هنا، ولا نزاع ولا اعتراض.