الفصائل الفلسطينية والمجتمع الدولي.. حان دوركم
لا يزال هناك الآلاف من الشهداء والجرحى الذين لم يتم انتشالهم من أنقاض الحرب، بسبب استمرار القصف وأوضاع ميدانية على أعلى درجة من الخطورة.
نعم التطورات جديدة وغير مسبوقة والمتغيرات والمستجدات كل يوم تتحرك في اتجاه تقويض الكيان المحتل (نظريًا)، سواء من الداخل الإسرائيلي المنتفض على مجرم الحرب نتنياهو، أو من خلال الإجراءات الدولية المتخذة ضد الاحتلال وربما آخرها إدراج الأمم المتحدة جيش الاحتلال في قائمة عالمية للجناة مرتكبي الانتهاكات ضد الأطفال، حيث أبلغ أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة بعثة الاحتلال بالأمم المتحدة بإدراج إسرائيل بالقائمة السوداء للدول التي تقتل الأطفال، على خلفية هذه الحرب المستمرة على الأبرياء العزل من المدنيين أطفالا ونساء ورجالها.
وكان وزير المجلس الحربي للكيان بيني جانتس قد أمهل نتنياهو حتى الثامن من يونيو، لتحديد إستراتيجية واضحة للحرب في غزة، وهاجمه بشدة؛ لأنه يدفع الكيان المحتل باتجاه الهاوية، فناشده الأخير بعد مجزرة النصيرات من أيام، بأن هذا وقت الوحدة ولا يترك الحكومة.
وأعلنت دولة كولومبيا وقف صادراتها من الفحم إلى الاحتلال، وقد لجأت من قبل إلى قطع العلاقات الدبلوماسية معه، ومعها بوليفيا وشيلي، وتركيا، وجنوب إفريقيا التي انضمت مصر وإسبانيا إلى دعواها المرفوعة ضد الكيان بمحكمة العدل الدولية، بالإضافة إلى انضمام دول مثل سلوفينيا وإسبانيا وإيرلندا والنرويج وجامايكا وترينيداد وتوباجو وبربادوس وجزر الباهاما إلى قائمة الدول المعترفة بدولة فلسطين 146 من إجمالي 193 دولة في الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية.
وتستعد مصر والأردن لمؤتمر الاستجابة الإنسانية لغزة، الذي يهدف لإيجاد خطوات عملية فاعلة تضمن إيصال المساعدات الإنسانية والطبية الطارئة بشكل فوري ومستدام، والسعي قُدمًا للإجبار على وقف العدوان والانتهاكات، وإنقاذ قطاع غزة والتحرك باتجاه إعماره، مع وضع آليات واضحة للمضي نحو دولة فلسطين المستقلة التي عاصمتها القدس، وهو ما نادت به الدولة المصرية حتى من قبل الحرب.
وأسفرت تحركاتها وجهودها في هذا الصدد عن الكثير من النتائج، بل إن مصر كانت المؤشر الرئيسي لإحراج الكيان الذي ظن لوهلة بإمكانية إجبار أقدم دولة وحضارة في العالم على الانصياع لرغباته الاستعمارية في المساعدة بالتهجير القسري لأبناء فلسطين، غير أن رسوخ الموقف المصري في التصدي لتلك الأفكار، بل ومطالبة الأطراف الدولية المؤثرة، ومجلس الأمن، بالتدخل الفوري لوقف الحرب الغاشمة، والتحرك المسئول لإنهاء الأزمة الإنسانية التي خلفت ما يزيد على 36 ألف شهيد، وإدخال المساعدات الإغاثية والإنسانية بصورة كاملة ودون عوائق من جميع المعابر البرية لقطاع غزة.
ومع استمرار الموقف المتخاذل والداعم للاحتلال من قبل الإدارة الأمريكية، وانكشاف وجهها القبيح تمامًا أمام العالم كله، وخسارة بايدن ما يقرب من نصف مليون صوت من الناخبين لدعمه الحرب على غزة في شهرها التاسع، إذ لا تزال آلة الاحتلال العسكرية المجرمة تدور دون رادع وبالسلاح الأمريكى ذاته، بل إن الكيان لم يزل يتوسع فى توجيه الضربات المتفرقة على مناطق عدة بقطاع غزة.
وتواصل قوات الاحتلال القصف المدفعي وشن الغارات وتنفيذ الجرائم المروعة في مختلف الأرجاء وفي مناطق التوغل، وارتكاب المجازر الدامية ضد المدنيين، وكل ذلك وسط وضع إنساني كارثي بسبب الحصار ونزوح أكثر من 90% من السكان، وارتفعت حصيلة الشهداء من الأطفال والنساء والرجال إلى نحو 36 ألفا و731، قبل كتابة هذه السطور وفق ما أعلنته وزارة الصحة الفلسطينية، وفي الوقت الذي يواصل الاحتلال قصفه المكثف على رفح الفلسطينية وإعداد مركباته للتوغل غربًا داخل المدينة، واستمرار العمليات على الأرض بمخيمي المغازي والبريج في وسط القطاع، وفي دير البلح وخان يونس.
كما سقط قتلى وجرحى في قصف جديد للاحتلال على مدرسة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) كانت تؤوي نازحين بمخيم الشاطئ في شمال غرب قطاع غزة، كما قصف جيش الاحتلال مدرسة أخرى تابعة للوكالة في النصيرات، وأسفر عن شهداء وجرحى، وتكررت الاعتداء على المخيم، مما أسفر عن استشهاد أكثر من مائتين من المدنيين، وإصابة المئات، فى انتهاك سافر لجميع أحكام القانون الدولي والإنسانية.
ولا يزال هناك الآلاف من الشهداء والجرحى الذين لم يتم انتشالهم من أنقاض الحرب، بسبب استمرار القصف وأوضاع ميدانية على أعلى درجة من الخطورة، فضلا عن الحصار الخانق والقيود المشددة على دخول الوقود وتمربر المساعدات العاجلة لمحاولة تخفيف الأوضاع الإنسانية الكارثية، وقد أسفر الهجوم الأخير وتلك المجزرة البشعة على مخيم النصيرات، والذي شاركت فيه أمريكا بنقل معلومات استخباراتية للاحتلال، عن مقتل عدد من المحتجزين والرهائن الإسرائيليين لدى المقاومة، وهو الأمر الذي تكرر من قبل، ما يثبث قطعيًا بأن أمر إعادة الرهائن والقضاء على حماس مجرد أهداف معلنة ومحاولة بائسة لتبييض ماء الوجه أمام العالم، لتبرير القتل والتدمير والإبادة، لذا فإن التحرك المطلوب الآن يقتضي أولا أن تكون الفصائل الفلسطينية على قلب رجل واحد بمعنى الكلمة.
فهذا هو الأوان المُلّح للتوحد، خصوصًا مع ترقب زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى مصر وفلسطين والأردن وقطر، للانخراط مجددًا في مناقشات اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وليكن إيقاع فلسطين أمام العالم ذا صوت واحد، حتى لا تُستغل تلك الفُرقة في تقويض كل الجهود وفي أن تذهب دماء عشرات الآلاف من الشهداء سُدى، فإن أقل ما يجب أن يكون في قابل الأيام هو “الدولة الفلسطينية المستقلة” التي نادت وتنادي بها مصر.
ومن الضرورة المُلحة أن تُستغل المكاسب النظرية وتحويلها إلى واقعٍ ملموس بعد أن تغيرت الصورة الذهنية لإسرائيل وأمريكا الحليفتين التاريخيتين، ويبقى أن تتغير النتائج على أرض الوافع، بأن تكون هناك تحركات أكبر وأسرع من وتيرة الحرب من قبل المجتمع الدولي، فلا يجب أن تظل الإدارة الأمريكية على اختلاف وجوهها وقياداتها على تحديها السافر للرأي العام العالمي، وأن تظل عائقًا أمام القرارات النظرية، والحيلولة دون ترجمتها إلى واقع مستحق.