هل انتهى حل الدولتين؟ هو سؤال مطروح على ضوء التطورات الحاصلة منذ سنوات في فلسطين المحتلة، وحتى قبل أن تطلق إسرائيل حربها الأخيرة على قطاع غزة، والتي توازيها إجراءات وخطوات لا تقل خطورة في القدس والضفة الغربيَّة، على ضوء سلوكيَّات جماعات المستوطنين واستفزازاتهم المتتالية التي تُضاف إلى التقييد المتعمد الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي من خلال الاقتحامات ونشر الحواجز، والتفتيش الذي يصل إلى الإذلال المقصود لأبناء الشعب الفلسطيني.
مشروع حل الدولتين يزداد صعوبة وتعقيداً على مختلف المستويات، ليس فقط السياسيَّة، إنما أيضاً الميدانيَّة، مع التوسع الاستيطاني المنهجي الذي لم تتراجع عنه أي من الحكومات الإسرائيليَّة خلال العقود المنصرمة؛ إذ تُقدَّر أعداد المستوطنين في الضفة الغربيَّة بما يناهز 800 ألف مستوطن، أقاموا مستوطنات في بقع جغرافيَّة متنوعة، بهدف قطع التواصل الطبيعي بين مناطق الضفة الغربيَّة.
بطبيعة الحال، لم يعد خافياً على أحد أن إسرائيل نفسها التي أقامت دولتها على أرض لا تملكها، ولا صلة تاريخيَّة بها كما تدَّعي، لا تريد حل الدولتين، لعدم قناعتها بهذا الخيار، انطلاقاً من عدم اعترافها بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني (وبعض قادتها المغالين ينكر وجود هذا الشعب أيضاً).
انتشرت منذ زمن غير بعيد مقابلة قديمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يقترح فيها توزيع الشعب الفلسطيني على الدول العربيَّة التي يناهز عددها 22 دولة؛ لا؛ بل يذهب إلى القول مقترحاً أن يكون هناك وطن بديل للفلسطينيين، وهو حتماً لا يزال عند هذا الرأي، ويقوم بكل ما يملك من قوة سياسيَّة وعسكريَّة لقطع الطريق على إقامة دولة فلسطينية؛ أقلها على أراضي 1967.
وهذا ما يفسر أيضاً رفض إسرائيل المبادرات العربيَّة المتتالية لإقامة السلام الدائم، من خلال تطبيق مبدأ «الأرض مقابل السلام»، بحيث إنها ليست مستعدة للتخلي عن أي شبر من الأراضي التي احتلتها في عام 1967؛ ناهيك عن أن أراضي 1948 لم تعد تشير إليها، وكأنه قضي الأمر بالنسبة لها، وصارت أرض إسرائيل إلى الأبد. عملياً: لم تكترث إسرائيل على الإطلاق للدعوات العربيَّة التي لا تزال تتحدَّث عن «السلام»؛ لا بل هي قامت بكل ما توفر لديها من إمكانات لتقويض كل هذه الجهود وإسقاطها.
إقامة الدولة الفلسطينيَّة المستقلة تناقض الفكرة الصهيونيَّة التي تريد توسيع دولة إسرائيل إلى جميع أراضي فلسطين التاريخيَّة، وتثبيتها فيها إلى ما لا نهاية، لذلك، يبدو الأفق السياسي مسدوداً بالكامل؛ إذ كيف يمكن مواصلة المناداة بالسلام في الوقت الذي يرفض فيه «الشريك المفترض» كل المبادرات السياسيَّة والوساطات الدوليَّة لإنهاء الصراع؟
من الوثائق التاريخيَّة ما نُشرت عن المجلس الصهيوني العام، والتي حددت تحديداً مفصلاً واجبات الصهيوني، جاء فيها: «إن واجب الصهيوني هو الهجرة إلى إسرائيل، وإلى أن يحقق هذا الواجب يكون عضواً فاعلاً في الاتحاد الصهيوني المحلي، ويحرص على توفير التربية اليهودية لأبناء عائلته، وتعلُّم اللغة العبريَّة، والتثقيف بهدف تحقيق الصهيونيَّة بالهجرة إلى إسرائيل (…)» (المصدر: «المؤتمر الصهيوني التاسع والعشرون 1978»، صادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينيَّة وجامعة حلب، 1980).
لم يتغيَّر شيء في الفكر والعقيدة الصهيونيَّة منذ ذلك التاريخ حتى اليوم؛ لا؛ بل باتت الممارسات أكثر تطرفاً، وليس هناك ما يشي بأنَّ المشهد قد يشهد تغيُّرات جوهريَّة؛ خصوصاً أن الواقع بعد حرب غزة لن يكون كما قبله، ما لم يحصل تحول جدِّي في المسار السياسي في هذا الاتجاه، وهو مستبعد، أخذاً في الاعتبار المعطيات المشار إليها سابقاً.