“الذئاب المنفردة”.. من أين يأتي مرتزقة جيش إسرائيل؟ وما دوافعهم؟
تمثل قضية تجنيد المرتزقة في الجيش الإسرائيلي ظاهرة معقدة تفرض نفسها في النقاشات الدولية حول الأخلاق وحقوق الإنسان.
ويتم استقطاب الجنود من دول مختلفة، بمن في ذلك الذين يحملون الجنسية المزدوجة، للمشاركة في النزاعات والعمليات العسكرية بفلسطين، ما يثير تساؤلات حول الشرعية والأخلاقية لمثل هذه الممارسات.
وتحدثت صحيفة “غلوبس” عن تقرير جديد صدر قبل أيام من الجانب الروسي، يفيد بأن المرتزقة الذين قاتلوا في أوكرانيا ضد الجيش الروسي “حزموا أمتعتهم وتحركوا للقتال إلى جانب الجيش الإسرائيلي في غزة”.
وفي سياق تعزيز صفوف “جيش المرتزقة” خلال الحرب على غزة، كشف الموقع الإلكتروني لصحيفة “يديعوت أحرونوت” النقاب عن آلاف المهاجرين الجدد الذين فروا من أوكرانيا وروسيا بسبب الحرب، وحشدوا للتطوع في قواعد الجيش الإسرائيلي للقتال وجمع التبرعات والمعدات لصالح الجنود، ويقدر أن نحو 1500 مهاجر جديد من روسيا وأوكرانيا لديهم قدرة على القتال والخدمة العسكرية.
كما أن المئات من الجنود الأوكرانيين مكثوا في إسرائيل للعلاج والتأهيل، جراء إصابتهم خلال الحرب الروسية الأوكرانية، ولم يعودوا إلى كييف، ويقدر أن الكثير منهم انخرط بالقتال والتوغل البري بالقطاع ضمن فرق المرتزقة.
ويأتي ذلك، بينما تكتمت وسائل الإعلام الإسرائيلية على مشاركة أوكرانيين إلى جانب الجيش في الحرب على غزة، والمعارك البرية بالقطاع، لكن مقاطع فيديو وتقارير صحفية وثقت انضمام مقاتلين أوكرانيين للقتال مع الجنود الإسرائيليين في غزة، وقد قتل 7 منهم بمعارك حي الشجاعية.
وفي مؤشر آخر لاستعانة الجيش الإسرائيلي بمرتزقة، هددت خارجية جنوب إفريقيا مواطنيها الذين يعيشون بإسرائيل، وحذرتهم من الانضمام لجيش إسرائيل بالحرب على غزة، وأكدت أن ذلك يعرضهم لخطر الملاحقة القضائية في البلاد بتهمة انتهاك القانون الدولي، علما أن هناك الآلاف من مواطني جنوب إفريقيا يعيشون في إسرائيل.
تاريخ طويل
تاريخ تجنيد المرتزقة في الجيش الإسرائيلي ليس وليد اللحظة، بل تمتد جذوره إلى بدايات القرن العشرين، مع تأسيس منظمة “ماحل” عام 1947، نجحت الحركة الصهيونية في تجنيد أكثر من 3 آلاف متطوع من 37 دولة، غالبية هؤلاء كانوا من اليهود الذين تم تدريبهم للقتال في فلسطين عام 1948.
إغراءات الجذب المادي
الإغراءات التي تقدمها إسرائيل مثل الشبكة الحريرية التي تلتف حول الفريسة، تقيدها برفق حتى تجد نفسها محاصرة في عمق النزاع.
فوفقًا لوزارة الأمن الإسرائيلية ووحدة البحث والمعلومات بالكنيست، فإن مشروع “الجندي الوحيد” يعكس الجانب المظلم لاستراتيجيات التجنيد، يستهدف الجيش الإسرائيلي الجنود من الخارج، مقدماً لهم إغراءات مادية ضخمة تشمل منحة شهرية ثابتة، وتمويلات للإيجار، ومنح زواج، وحتى تمويل رحلات جوية لزيارة الوالدين بالخارج.
وبحسب معطيات وزارة الأمن الإسرائيلية ووحدة البحث والمعلومات بالكنيست، بلغ عدد “الجنود الوحيدين” في الجيش الإسرائيلي قرابة 6 آلاف جندي، تم تجنيدهم من 70 دولة، وتبلغ نسبة اليهود منهم 20% فقط، بينما 80% أتوا بمفردهم ودون عائلاتهم، مما يعني أن النسبة الأكبر من الجنود الوحيدين الأجانب مرتزقة. ويشارك “الجنود الوحيدون” إلى جانب قوات الجيش الإسرائيلي في الحرب على غزة والمعارك البرية، حيث يخدم نصفهم في وحدات قتالية، ويتميزون بالشراسة والخطورة في القتال.
ازدواجية الجنسية والهوية
تتربع دول مثل روسيا وأوكرانيا وأمريكا وفرنسا على قائمة الدول التي يشارك مواطنوها في صفوف الجيش الإسرائيلي، سواء عبر شركات أمنية خاصة أو عبر الخدمة العسكرية المباشرة بسبب الجنسية المزدوجة.
هنا يتجلى التناقض بوضوح، حيث يتمزق الجنود بين ولاءاتهم الوطنية ومغريات الخدمة في جيش أجنبي.
ووفقًا للجزيرة، قدرت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية “كان” أن هناك عشرات الآلاف -من المهاجرين الروس من أصحاب “الجنسية المزدوجة” الإسرائيلية والروسية- ما زالوا يخدمون بالجيش الإسرائيلي في سياق الخدمة المدنية وضمن قوات الاحتياط، ويشاركون في الحرب على غزة، في ظل مخاوف إسرائيلية من احتمال أن يتم تجنيدهم في الجيش الروسي بحرب أوكرانيا.
وفضحت تغريدة للاعب كرة القدم السابق إريك كانتونا جيش المرتزقة ومقاتلي الجنسية المزدوجة، الذين يشاركون بالحرب على غزة، ففي منشور له على حسابه على “إنستغرام” تساءل النجم السابق لمانشستر يونايتد والمنتخب الفرنسي عن كيفية تعامل الدولة مع الفرنسيين مزدوجي الجنسية الذين سافروا للتجنيد أو التطوع في الجيش الإسرائيلي بالحرب على غزة.
وكتب كانتونا “هؤلاء الجنود الأربعة آلاف الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية الفرنسية، والذين غادروا البلاد للانضمام إلى الجيش الإسرائيلي من أجل إبادة الفلسطينيين، بحجة شن حرب ضد حماس، هل سيتمكنون من العودة إلى فرنسا وكأن شيئا لم يكن؟ وهل سيحاكمون على أفعالهم؟”.
انتهاكات حقوق الإنسان
تورط المرتزقة في النزاعات المسلحة لا يزيد فقط من تعقيدات الحروب، ولكنه يضيف طبقة جديدة من البؤس والألم على كاهل المدنيين الأبرياء.
وفقاً لتقارير متعددة صادرة عن منظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك منظمة العفو الدولية، تُعد غزة واحدة من أبرز المناطق التي شهدت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان على يد هؤلاء المرتزقة.
وشهدت غزة، إلى جانب مناطق فلسطينية أخرى، موجة من الانتهاكات التي شملت أعمال القتل العشوائي، والاعتقال التعسفي، والتعذيب، وسوء المعاملة، هذه الانتهاكات تتعارض بشكل صارخ مع اتفاقيات جنيف التي تنص على ضرورة حماية المدنيين في النزاعات المسلحة وتقديم المعاملة الإنسانية لهم.
التصدي لظاهرة تجنيد المرتزقة يتطلب استجابة دولية قوية تشمل الإجراءات القانونية والسياسية لمنع استغلال حقوق الإنسان في أغراض عسكرية.
وفي تقرير الأمم المتحدة حول المرتزقة والنزاعات كانت هناك توصيات بوجوب اتخاذ المنظمات الدولية والمجتمع الدولي خطوات فعالة للحد من هذه الممارسات وضمان الالتزام بمعايير حقوق الإنسان العالمية.
تناقض مع القانون الدولي الإنساني
وفقاً لاتفاقيات جنيف، يتمتع المدنيون في مناطق النزاع بحقوق محددة تضمن حمايتهم من الأعمال العدائية المباشرة، ومع ذلك، فإن وجود المرتزقة في هذه المناطق غالباً ما يؤدي إلى تجاهل هذه الحقوق، مما يعرض المدنيين لمخاطر متزايدة. هؤلاء المرتزقة يتصرفون كذئاب منفردة، يستغلون الفوضى لتحقيق أهدافهم الخاصة دون مراعاة للقوانين الدولية أو حقوق الإنسان.
فوضى ودمار.. من يحاكم الجناة؟
بدوره علق الحقوقي الفلسطيني، محمود الحنفي بقوله: إن المرتزقة كأفراد غير منضبطين يتنقلون بحرية في ساحات القتال، يتركون وراءهم أثراً من الفوضى والدمار، وهناك تقارير لمنظمة هيومن رايتس ووتش توثق العديد من الحالات التي أقدم فيها مرتزقة على أعمال وحشية دون محاسبة، ما زاد من معاناة السكان المحليين وفاقم الأوضاع الإنسانية.
وفي تصريحات لـ”جسور بوست”، شدد الحنفي على ضرورة المحاسبة والاستجابة الدولية، والتصدي لظاهرة تجنيد المرتزقة واستخدامهم في النزاعات المسلحة يتطلب استجابة دولية حاسمة، ويجب على المجتمع الدولي، بما في ذلك مجلس الأمن والأمم المتحدة، أن يتخذ خطوات فعالة لضمان محاسبة هؤلاء الأفراد ومنع استخدامهم في النزاعات المستقبلية، هذه الجهود ضرورية لحماية المدنيين وضمان احترام القانون الدولي الإنساني.
وتابع، يشكل وجود المرتزقة في النزاعات المسلحة انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان ومبدأ حماية المدنيين في الحروب، وعلى المجتمع الدولي التكاتف لضمان محاسبة مرتكبي هذه الانتهاكات وتعزيز آليات الحماية والعدالة الدولية، فحماية حقوق الإنسان في زمن الحرب ليست مجرد واجب قانوني، بل هي ضرورة أخلاقية تعكس التزام العالم بالحفاظ على كرامة الإنسان وحقه في العيش بسلام.
وأتم، في ظل النزاعات المستمرة والأزمات الإنسانية، يجب على المجتمع الدولي أن يعيد النظر في سياسات تجنيد المرتزقة ويتخذ خطوات حاسمة لضمان حماية الحقوق الإنسانية والسلام الدولي، ولا يمكن أن تكون المكاسب المالية هي الدافع الوحيد للمشاركة في النزاعات العسكرية التي تفتقر إلى الشرعية والأخلاق، فحماية حقوق الإنسان ليست مجرد واجب قانوني، بل هي التزام أخلاقي يعزز من كرامة الإنسان وجودة حياته.