الحرب على غزة.. هل وصلت لنهايتها؟
أظهرت التصريحات المتناقضة بين قيادة الجيش الإسرائيلي ورئاسة الحكومة الإسرائيلية فيما يتعلق بالحرب على غزة وحول نجاعتها في تحقيق أهداف الحكومة الإسرائيلية المعلنة الثلاثة في بداية الحرب على قطاع غزة (القضاء على حركة حماس وحكمها وإعادة المختطفين ومنع التهديدات القادمة من قطاع غزة) الاختلافات الفلسفية لبنى المؤسستين (العسكرية والسياسية) في إسرائيل.
وإنْ لم يكن مستغرباً تصريح الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي بأنّ “القضاء على حماس ذر للرماد في العيون، وأنّ حماس هي حزب وفكرة مغروسة في قلوب الناس ومن يظن بإمكاننا اجتثاثها من قلوب الناس مخطئ”، وهو استنتاج متأخر توصل إليه جيش الاحتلال بعد حوالي ثمانية أشهر ونصف من التدمير المنهجي لقطاع غزة وهي أطول عملية عسكرية قتالية يقوم بها الجيش الإسرائيلي في الثمانين عاماً الماضية.
لكن هذا التصريح واضح انه موجه للطبقة السياسية الإسرائيلية بأن المنهج المتبع في الحرب على قطاع غزة لم يعد الاستمرار به ممكناً ولن يحقق النتائج المرجوة أو المطلوبة الأمر الذي يتطلب البحث عن طرق ووسائل وخطط أخرى في عملية المواجهة العسكرية وكذلك السياسة.
يرى الجيش الإسرائيلي أنّ الانغماس المتواصل في عملية قتالية واسعة النطاق واستمرار تمركزه في مناطق قريبة من السكان الفلسطينيين في قطاع غزة تحديداً تتعارض مع الركائز الأساسية لفلسفته، حيث أنّ هذا الانغماس يؤدي لتعرض جنوده وآلياته للخسائر بشكل مستمر، ولا يؤدي للاستقرار في الجبهات الأخرى؛ فالاستقرار الذي يبحث عنه الجيش الإسرائيلي أحد أهم ركائز فلسفة أدائه منذ العام ١٩٩٢ عند وصول رئيس الحكومة آنذاك إسحق رابين لقناعة الانفصال عن الشعب الفلسطيني مع الإبقاء على ركيزة الأمن لحماية الشعب الإسرائيلي وهي الركيزة الفلسفية الثانية لعمل الجيش.
فيما يعتبر الجيش “المؤسسة الأمنية” لطبيعة نشأته في إسرائيل بأنه حارس الدولة (الركيزة الثالثة) لذا يحرص إلى حد بعيد البقاء على الطبيعة العلمانية من جهة والنموذج الغربي من جهة ثانية لذلك تبرز أهمية المحافظة على صورة إسرائيل في العالم والحفاظ على التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية.
في المقابل فإنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزرائه هم ايديولوجيون يرون أنّ هذه الحرب فرصة سانحة لتطبيق معتقداتهم القائمة على أنّ “دولة إسرائيل من النهر إلى البحر” في الخطوة المرحلية الثانية بعد خطوة بن غريون عام ١٩٤٨، وإثر تراجع القادة العسكريون رابين ومن ثم شارون عن المرحلة الثانية التي تمت في العام ١٩٦٧ باحتلال الضفة والقطاع، وذلك بتوقيع اتفاق أوسلو عام ١٩٩٣ والانسحاب من قطاع غزة عام ٢٠٠٥ عن هذه الفكرة. وفي ذات الوقت هؤلاء الوزراء (نتنياهو، بن غفير، سموتريتش) ذوي أهداف سياسية للبقاء في الحكم من خلال التنازع على أصوات اليمين المتطرف في الانتخابات؛ أي الفلسفة القائمة لديهم خليط ما بين الأيديولوجيا القائمة على الأطماع الاستعمارية والبقاء السياسي في الحكم.
في ظني أنّ الجيش الإسرائيلي يتطلع للشارع الإسرائيلي وحركة احتجاجه للانتصار على أو للظفر في تحقيق وإعمال قراراته وخططه في مواجهة الحكومة بما يشير الى إنّ الحرب وصلت إلى نهايتها بشكلها الحالي باتجاه تغيير طبيعة العمليات القتالية في قطاع غزة بحيث تصبح عمليات موضعية “جراحية” خاطفة من جهة وعدم العودة للانخراط في حكم السكان المرهق من جهة ثانية.
ومن جهة ثالثة الإبقاء على ما العلاقات الدولية التي تراجعت كثيرا بسبب الجرائم التي ارتكبها على مدار ثمانية أشهر ونصف؛ كجريمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ووقف نزيف الملاحقة القضائية المرتقبة مستقبلاً من جهة رابعة.