تونس

الانتخابات الرئاسية وانتظارات التونسيين

رغم كونها مؤشرات واقعية حول حالة الاقتصاد العام للبلاد وأساسية لفهم الديناميكية الاقتصادية التي باتت تتمتع بها تونس في السنوات الأخيرة لكنها تظل ذات مصداقية نسبية للمواطن البسيط الذي يعلق انتظاراته على أشياء ملموسة تهم قدرته الشرائية التي تضررت كثيرا وغلاء المعيشة والأسعار المرتفعة والمنتجات الاستهلاكية التي تختفي بأجل وتحضر بأجل

الانتخابات الرئاسية لهذا العام تلوح مختلفة عن سابقاتها. حالة برود عام تلفّ المشهد السياسي وحملات انتخابية تكاد لا تذكر عدا ما يلفت الانتباه للمرشح المنافس للرئيس قيس سعيد، وسيناريو عزوف انتخابي يلوح في الأفق. ورغم كل هذه الهواجس تظل الانتخابات الرئاسية تسير في ذلك الخط الذي يرسم التونسيون في نهايته تطلعات يرون أنها كفيلة بأن تبعد عنهم خيبات الشكوك المكرّرة في الأحزاب والمسؤولين السياسيين مع كل استحقاق انتخابي.

ماذا ينتظر التونسيون من الانتخابات التونسية؟ ما هي آفاقهم وتطلعاتهم للفترة الرئاسية المقبلة التي سيتحدد فيها اسم الفائز بعد أيام قليلة؟ هل من مؤشرات يمكن من خلالها التكهن باسم الفائز بين المرشحين الثلاثة الذين سيخوضون الاستحقاق وهم: زهير المغزاوي الأمين العام لحزب حركة الشعب والرئيس التونسي قيس سعيد، إضافة إلى المرشح الثالث العياشي زمال الذي سيخوض السباق من السجن؟ ما هي تطلعات التونسيين وانتظاراتهم لفترة ما بعد الانتخابات: هل ستتحسن الأوضاع التي حلم بها التونسيون في ما يخص المعيشة والوضع الاجتماعي والأمني والأهم القدرة الشرائية وغيرها من الأسئلة الكثيرة التي تراود شرائح واسعة طالت انتظاراتها؟

صحيح أن الجواب على كل هذه الأسئلة وحيثياتها متروك أولا لاختيارات التونسي عند صندوق الاقتراع، وثانيا لمدى وعيه وفهمه وتحليله للواقع السياسي الذي تعيشه البلاد، لكن أيضا الجواب في جزء كبير منه سيكون انعكاسا للإرادة الشعبية التي طلّقت الأحزاب بمسمياتها المختلفة من زمان وتطمح إلى تغيير كلي أداء ونتيجة من أجل تونس الغد. تونس لجميع الأجيال ومن حق فئات واسعة أن تفكّر في الأجيال المستقبلية للدولة وكيفية البناء لها على أسس صلبة ومتينة.

التونسي ذكيّ وواع بطبيعة هذه المرحلة ومدرك لاستتباعاتها بشقيها القصير وطويل الأمد. التونسي يعرف من يقول الحقيقة ومن يناور لكسب الرأي العام نكاية في من يعتبره خصما له وجب هزمه وإسقاطه. لكن حقيقة الحملة الانتخابية الرئاسية للمرشحين، والتي وإن وصفها خصوم للرئيس سعيد بكونها كانت “باردة”، كشفت نبض الشارع وإرادة التونسي وتطلعاته وثقته التي سيعبر عنها يوم الاقتراع.

حين تتقدم للناس لإقناعهم برأيك وبسداد نظريتك والأهم بواقعية ما تريد تحقيقه، فالأجدر أن تحمل لهم مشروعا واقعيا يمكن تحقيقه على أرض الواقع، وأن تنزل إلى حيث هم وتعيش بينهم وتنصت إلى مشاكلهم وتشاركهم همومهم.

هذا ما كشفت عنه الحملة الانتخابية للمرشح زهير المغزاوي من خلال الزيارات التي قام بها إلى بعض الأحياء الشعبية في إقليم تونس الكبرى، بينها حي التضامن ومنطقة نعسان وغيرهما من الأحياء التي تسكنها فئات شعبية ترى في المغزاوي صورة محيّنة لحالة الفراغ التي عاشتها تونس قبل 25 يوليو 2021.

ربما لسوء حظ المغزاوي أنه اختار مناطق يحظى فيها الرئيس سعيد بشعبية كبيرة وترى فيه أملا لإنقاذ تونس من أعدائها، فكانت معظم إجابات الذين تلقفتهم كاميرات المراقبين عفوية وتنمّ عن الخيار الذي يرون فيه المستقبل وغدا أفضل للبلاد والعباد.

من يراهن على تركيز إستراتيجية واضحة تروم إصلاح الركائز الأساسية لاقتصاد الدولة، قوامها البنية التحتية وشبكات النقل والإصلاح التربوي والمنظومة الصحية، فذلك يعكس فهما دقيقا بواقع تونس ورهانا حقيقيا على الإلمام بمشاكل التونسيين ومتاعبهم اليومية.

إقرأ أيضا : بعد مرور عام.. الإيكونوميست: المجتمع الإسرائيلي ينقسم حول دروس 7 أكتوبر

من البرامج التي لا تحتاج إلى تدقيق أو متابعة ما تكشف عنه الإحصائيات والأرقام اليومية على مستوى الاقتصاد الذي مرّ من مرحلة حرجة إلى مرحلة تعافٍ تدريجي. تعكس وجاهة هذا القول جملة من المؤشرات منها نسبة سداد خدمة الدين الخارجي، حيث تمكنت تونس من سداد 2.8 مليار دولار خلال أول ثمانية أشهر من هذا العام، في ما من المتوقع أن يبلغ الدين العام 80 في المئة من الناتج المحلي، أيضا نسبة النمو التي يقدر خبراء بأنها بلغت حدود 1 في المئة في النصف الثاني من 2024 ويتوقع أن تبلغ 1.8 في موفى هذا العام.

رغم كونها مؤشرات واقعية حول حالة الاقتصاد العام للبلاد وأساسية لفهم الديناميكية الاقتصادية التي باتت تتمتع بها تونس في السنوات الأخيرة لكنها تظل ذات مصداقية نسبية للمواطن البسيط الذي يعلق انتظاراته على أشياء ملموسة تهم قدرته الشرائية التي تضررت كثيرا وغلاء المعيشة والأسعار المرتفعة والمنتجات الاستهلاكية التي تختفي بأجل وتحضر بأجل. ذلك هو الرهان الحقيقي للتونسي على من سيضع فيه ثقته يوم الانتخابات ويمنحه صوته ويغمر إصبعه في الحبر لأجله.

تونس ليست بمعزل عن عالم متقلب ومتحرّك تلفه الصراعات سواء في الشرق الأوسط (الحرب في جنوب لبنان وقطاع غزة) أو في بقية دول العالم (الصراع الأوكراني – الروسي) أو في أفريقيا أيضا (الأزمة السودانية) وهي كلّها مفاعيل محركة للغلاء المشط للأسعار الذي لا يمكن للدولة أن تكبحه أو تتحكم فيه، ومؤشر قوي على أن سياسة الدولة لم تؤت أكلها.

ما ينتظره التونسيون اليوم هو مرحلة ما بعد الانتخابات ليس عطفا على طبيعة الاستحقاق وأهميته أو نكاية في المرشح الفائز وما يمكن أن يحمله برنامجه الانتخابي من أمنيات وانتظارات لفئات واسعة، لكن أيضا لأن تونس حين تحضر الإرادة تستحق أن تكون أفضل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى