الانتخابات المقبلة ومستقبل النظام السياسي الأمريكي
الحرب في غزة والحرب الأوكرانية والانقسام داخل الولايات المتحدة وتوعد ترامب بعظائم الأمور إذا ما منع من الوصول إلى البيت الأبيض، بحجة القانون أو بحجة الانتخابات، لا يبشر بخير. حرب فرنسا في الجزائر بشرت بميلاد الجمهورية الخامسة.
إنتخابات الرئاسة والكونغرس في الولايات المتحدة الأمريكية ستعقد في نوفمبر المقبل وسط أجواء أقل ما يقال عنها مكهربة وتتسم بالاستقطاب الحاد. أنصار الرئيس الحالي جو بايدن محبطون من أداء الرئيس.
منافس الرئيس هو الرئيس السابق دونالد ترامب والذي يعاني من قضايا قانونية يشيب لها الرضيع. فالعلاقة الغرامية مع الممثلة الإباحية ستورمي دانييل أدت إلى اتهامات خطيرة أدين فيها الرئيس السابق مؤخراً. وهي سابقة في التاريخ الأمريكي؛ حيث لم تتم إدانة أي رئيس أمريكي سابق أو أثناء حكمه من قبل محكمة رغم أن هناك ثلاثة رؤساء اتهموا بمخالفة القانون ولكن برئوا من قبل مجلس الشيوخ ومن ضمنهم الرئيس السابق دونالد ترامب.
إدانة ترامب ليست بسبب العلاقة خارج الإطار الشرعي. فالقانون الأمريكي لا يجرم مثل هكذا علاقات، بل يحميها. بل لقيامه بتزوير الأوراق للتحايل المالي لدفع رشوة لممثلة ثمناً لسكوتها عن الفضيحة الأخلاقية، والتي كادت أن تطيح بطموحه الرئاسي في العام 2016.
بعد الإدانة من قبل محكمة في نيويورك، أصبح من الصعب على الرئيس السابق أن يفوز في الانتخابات. وهنا مكمن الخطر حيث أن الرئيس يتوعد همساً وصراحة أن أنصاره لن يقبلوا بالمؤامرة التي تقودها الإدارة الأمريكية الحالية ضده وضد وصوله إلى البيت الأبيض.
وأحداث السادس من يناير لا تزال حية في مخيلة وذاكرة معظم الأمريكيين. ولعل السادس من يناير مجرد بروفة لما قد يحدث إذا ما زج ترامب في السجن أو فرضت عليه الإقامة الجبرية. وللعلم الإدانة والسجن لا يمنعان أي مواطن بلغ السن القانونية من الترشح للرئاسة. ولك في يوجين فيكتور دبس الزعيم الاشتراكي والذي خاض الانتخابات الرئاسية من زنزانة سجنه في العام 1920.
ويعاني الرئيس بايدن الأمرين من ضغوط وضغوط مضادة. بايدن في مواجهة مع يسار الحزب الديمقراطي والذي يعتقد أن إسرائيل تمادت وأثخنت في حرب غزة. وفي نفس الوقت يستمر الداعمون لإسرائيل في مواصلة الضغط للوفاء بالتزامات أمريكا تجاه الدولة العبرية. ويضغط الرأي العام العالمي في سبيل وقف الحرب في غزة.
ولا يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو راغب أو قادر على التعاون مع بايدن في معضلة الانقسامات والضغوط متعددة الاتجاهات، لأن نتنياهو نفسه يواجه معضلة داخل إسرائيل. اليمين المتحالف معه ضد إيقاف الحرب. شركاؤه من يمين الوسط يريدون نهاية للحرب والوصول إلى اتفاقية تفضي للإفراج عن الأسرى الذين تعتقلهم «حماس» في غزة. والشارع الإسرائيلي يغلي ويريد نهاية للحرب وحكم نتنياهو الذي يواجه تهم فساد.
والداخل الأمريكي يشكل ضغطاً كبيراً على بايدن الذي يواجه استحقاقاً انتخابياً في نوفمبر. الرئيس عواطفه مع إسرائيل ويتباهى أنه صهيوني رغم أنه ليس يهودياً. وحرصه على أمن إسرائيل كحرصه على أمن بلاده. ولكن الجالية المسلمة والعربية رقم صعب في معادلة فوز بايدن في 2020، وقد ترجح كفة غريمه إذا ما أحجمت عن المشاركة بأعداد هائلة مثل المرة السابقة.
الحرب في غزة والحرب الأوكرانية والانقسام داخل الولايات المتحدة وتوعد ترامب بعظائم الأمور إذا ما منع من الوصول إلى البيت الأبيض، بحجة القانون أو بحجة الانتخابات، لا يبشر بخير. حرب فرنسا في الجزائر بشرت بميلاد الجمهورية الخامسة.
هل تفعل الحرب في غزة مع الانقسام الحاد في الولايات المتحدة والانتخابات المقبلة ما فعلته الحرب في الجزائر وتعلن ميلاد الجمهورية الأمريكية الثانية. أمريكا بحاجة إلى إصلاح بيتها الداخلي، ولكن هل تملك أمريكا حكومة وشعباً الشجاعة لمواجهة الذات؟