الأرحام الاصطناعية.. ثورة طبية ومخاوف أخلاقية
إذا نجحت الأرحام الاصطناعية، فستظهر أسئلة أكثر أهمية عندما يتم استخدام هذه الأجهزة لإنقاذ الرضع المولودين في وقت مبكر جداً. "من الواضح أن هذه تقنية رائعة".
اجتمع مستشارو إدارة الغذاء والدواء الأميركية؛ لمناقشة كيفية نقل التجارب بشأن الأرحام الاصطناعية من الحيوانات إلى البشر، ما يعد نقلة طبية استثنائية، لكن تواجهها تحديات عملية وأخلاقية.
والأرحام الاصطناعية التي تخضع للتجريب حالياً، هي عبارة عن أجهزة طبية مصممة لإعطاء الأطفال الخدج (طفل يُولد قبل حلول الأسبوع 37 من الحمل) المزيد من الوقت للنمو والتطور، في بيئة تشبه الرحم قبل الخروج للعالم الخارجي. وقد أثبتت التقنية نجاحاً لافتاً عندما اختُبرت على مئات الحملان وبعض الخنازير، ولكن النماذج الحيوانية ليست كافية للتنبؤ بشكل كامل بكيفية عمل التقنية مع البشر.
استبدال الرحم
وبينما تقترب تجارب الأرحام الاصطناعية على البشر يشدد العلماء على ضرورة إدراك أن الهدف منها هو إنقاذ الأطفال الذين لم يُستكمل نموهم، وليس استبدال الرحم.
بالإشارة السابقة إلى أن الأرحام الاصطناعية تهدف إلى إنقاذ الأطفال الخدج، فإن في معظم التقنيات المستخدمة الآن، يطفو الرضيع في “حقيبة بيولوجية” محاطة بالسوائل. حيث يمكن أن يقضي الأطفال بضعة أسابيع في الاستمرار بالنمو.
“الرحم الاصطناعي الجديد، يوفر فرصاً أكبر للأطفال الخدج للبقاء على قيد الحياة، مع مضاعفات أقل مقارنة بالعلاج التقليدي”، وفق ما يقول جورج ميشاليسكا، جراح الأطفال في جامعة ميشيغان، لمجلة “ذي إيكونوميست”.
رئة اصطناعية
يُعدّ نمو الرئة أحد العوامل الرئيسية التي تقلص فرص الأطفال الخدج في البقاء على قد الحياة، وبدلاً من التنفس بالهواء في التقنيات التقليدية، فإن رئتي الأطفال في الرحم الاصطناعي تمتلئ بالسائل الأمنيوسي المصنّع في المختبر، في محاكاة للسائل المسؤول عن هذه الوظيفة في الرحم؛ إذ يقوم أطباء حديثي الولادة بإدخال أنابيب في الأوعية الدموية في الحبل السري حتى يتمكن دم الرضيع من الانتقال عبر رئة اصطناعية لالتقاط الأكسجين.
اختُبر الرحم الاصطناعي الجديد على أجنة الحمَل قرابة 300 مرة حتى الآن، وأعطى نتائج جيدة؛ إذ استطاعت الحملان البقاء على قيد الحياة والنمو داخل الجهاز الجديد طوال ثلاثة أو حتى أربعة أسابيع.
التجارب البشرية
للمضي في إجراء التجارب البشرية، يحتاج المصنّعون إلى تصريح من إدارة الغذاء والدواء الأميركية، وحتى يعطي المسؤولون الضوء الأخضر، يجب أن يقتنعوا بأن التجارب ستعود بالفائدة على الأطفال الخدج.
وفي التجارب على البشر، يتطلب الأمر ولادة الجنين من طريق الولادة القيصرية، وإدخال الأنابيب على الفور في الحاوية المملوءة بالسوائل.
من المرجح أن تستخدم التقنية الجديدة أولاً على الرضع ممن يولدون في سن 22 أو 23 أسبوعاً، إذ إن الأطفال يكونون صغاراً للغاية في الأسبوع 22 من الحمل، وغالبا ما يزنون أقل من نصف كيلوغرام. كما أن الرئتين تكونان في طور النمو والتطور.
نمو الجنين
أحد الشواغل الدائمة حيال الأطفال الخدج هو نزيف الدماغ، وهو خطر يرجع جزئياً إلى عدم نضج الدماغ بما يكفي. سيحتاج الأطفال في الرحم الاصطناعي إلى التعرض لمميع الدم؛ لمنع الجلطات من التشكل؛ حيث تدخل الأنابيب الجسم، مما قد يزيد من هذا الخطر.
لذا إذا نجحت التجارب البشرية، ثمّة تساؤل يطرح نفسه؛ هل يمكن أن ينمو الأطفال بالكامل خارج الرحم مستقبلاً؟ يستبعد العلماء حدوث ذلك في أي وقت قريب. لسببين رئيسيين: الأول لأن عملية نمو الجنين مُصممة بعناية بالاعتماد على التواصل الكيميائي بين جسم الأم والجنين. حتى لو فهم الباحثون جميع الأسباب التي تساهم في نمو الجنين، فلا يوجد ما يضمن أنهم يستطيعون إعادة تصميم تلك الحالة في الرحم الاصطناعي.
السبب الثاني هو الحجم، إذ تتطلب أنظمة الرحم الاصطناعي التي يتم تطويرها من الأطباء إدخال أنبوب صغير في الحبل السري للرضيع لتوصيل الدم بالأكسجين، وكلما كان الحبل السري أصغر، أصبح ذلك أكثر صعوبة.
مخاوف أخلاقية
ثمّة مخاوف حيال كيفية ضمان حصول الباحثين على موافقة مستنيرة مناسبة من الآباء الذين قد يكونون يائسين من إنقاذ أطفالهم. وتقول فارديت رافيتسكي، عالمة أخلاقيات حيوية ورئيسة مركز هاستينغز، وهو معهد أبحاث أخلاقيات علم الأحياء: “هذه المشكلة تتكرر في الكثير من علاجات الفرصة الأخيرة”.
إذا نجحت الأرحام الاصطناعية، فستظهر أسئلة أكثر أهمية عندما يتم استخدام هذه الأجهزة لإنقاذ الرضع المولودين في وقت مبكر جداً. “من الواضح أن هذه تقنية رائعة”، تقول رافيتسكي لـ”ذي إيكونوميست”، ولكن كما هو الحال مع أي تقنية، قد تظهر استخدامات أخرى؛ تخيل أن المرأة تريد إنهاء الحمل في الأسبوع 21 أو 22، وأن التقنية متاحة أمامها. كيف سيؤثر ذلك على حق المرأة في اختيار ما إذا كانت ستكمل الحمل حتى النهاية؟
تقول رافيتسكي إنّ “ظهور الرحم الاصطناعي يطلق العنان أمام جميع أنواع الأسئلة حيال ماهية الجنين والولادة إلخ؛ وليس لهذه الأسئلة آثار أخلاقية فقط، ولكن أيضاً ثمّة انعكاسات قانونية”، وتضيف: “إذا لم نبدأ في التفكير في الأمر الآن، فسنقع في الكثير من الأخطاء”.