تشير تعيينات دونالد ترمب السريعة في المناصب الرئيسة في إدارته الجديدة خلال الأيام القليلة الماضية إلى أنه متحمس وفي عجلة من أمره.
ولئن كان يريد تغيير الأمور في الداخل، إلا أن وعوده – أو تهديداته في السياسة الخارجية – بفرض نهاية سريعة للصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط لا تبعث على الآمال فحسب، بل تثير المخاوف أيضاً، وخصوصاً بين حلفاء أميركا.
يتذكر الجميع صور ترمب وهو يدفع القادة الآخرين جانباً في أول مؤتمر له لحلف الناتو عام 2017 ليتسنى له أن يكون في وسط الصورة.
آنذاك، كان الحلفاء يخشون من أن ترمب كان يشعر بالرهبة من الرجل الروسي القوي فلاديمير بوتين.
وفي حين يبدو الكرملين متشككاً في شأن مدى سهولة استمالة بوتين لترمب أو قبول خطته للسلام (أياً كانت)، فإن شركاء واشنطن الأوروبيين يشعرون بقلق واضح من نتيجة الانتخابات الأميركية، ويسارعون إلى إصلاح علاقاتهم المستقبلية مع روسيا قبل أن يعقد الرئيس المنتخب صفقة تتجاوز مصالحهم بمجرد عودته للبيت الأبيض.
اقرأ أيضا.. هل تنسحب روسيا من سوريا؟
اتصل المستشار الألماني أولاف شولتز هاتفياً ببوتين الجمعة الماضي، وتحدث الرئيس الأوكراني بازدراء عن تواصل برلين مع الكرملين، لكنه كان مقدراً لوعد ترمب بوقف الحرب قريباً ورافضاً ضمنياً لاستراتيجية جو بايدن.
قبل 45 سنة، رعى جيمي كارتر اتفاق سلام بين العدوين القديمين مصر وإسرائيل. هل سيتمكن ترمب من إحضار بوتين وفولوديمير زيلينسكي إلى كامب ديفيد لتوقيع سلام مماثل غير متوقع؟ إن الضغط العسكري الروسي وتراجع الدعم الغربي يضع ضغوطاً شديدة على أوكرانيا لقبول أقل الصفقات سوءاً التي يمكن لترمب أن يبرمها.
ولكن لا تنتظروا من بوتين أن يذهب متذللاً إلى واشنطن، وبغض النظر عن تهم جرائم الحرب في محكمة لاهاي التي من شأنها أن تعرض الرئيس الروسي لخطر الاعتقال، سيرغب الزعيم الروسي في رؤية ترمب يأتي إلى الكرملين كعلامة على النصر، وأن يجر زيلينسكي إلى هناك أيضاً في صورة مذلة.
فمسرحية “دبلوماسية القمة” تروق لترمب، تذكروا مشيته الدرامية بمفرده عبر المنطقة المنزوعة السلاح لمصافحة “رجل الصواريخ” الكوري الشمالي كيم جونغ أون، عام 2019. إن التوصل إلى اتفاق يمكن أن يقبله كل من بوتين وزيلينسكي سيكون إنجازاً كبيراً، ولكن تصميم مراسم التوقيع قد يكون حجر العثرة.
أما في الشرق الأوسط، فشهد انتخاب ترمب صمتاً مفاجئاً وغريباً من إيران حول تهديدها بالانتقام من إسرائيل بسبب الهجوم الأخير، حتى خيالي لا يمكنه تصور قمة بين ترمب وآية الله علي خامنئي، لكن مفاوضات سرية تتخلى فيها إيران عن دعمها للجماعات الشيعية المعادية لإسرائيل مثل “حزب الله” والحوثيين في اليمن، وتوافق على اتفاق نووي في مقابل تخفيف العقوبات، ليست مستبعدة كما توحي الحرب الكلامية.
قد تؤدي تسوية كهذه إلى إضعاف نظام آية الله أكثر من الضغوط الدولية، ولكن هل ستجد إسرائيل بزعامة بنيامين نتنياهو ذلك مقلقاً؟ قد يشعر حلفاء أميركا الآخرون أيضاً بالانزعاج من أجندة “أميركا أولاً” التي يتبناها ترمب، حتى أكثر من بعض الخصوم.
ويجعل هذان التعارضان سهلاً إغفال أن إدارة ترمب الجديدة تواجه أيضاً التحدي المتزايد المتمثل في تراجع نفوذ أميركا في الجنوب العالمي.
فمرشح ترمب لمنصب وزير الخارجية ماركو روبيو، لديه اهتمام خاص بأفريقيا باعتبارها ساحة مصالح اقتصادية واستراتيجي صينية متزايدة، إلى جانب دخول قوات روسية – مرتزقة “فاغنر” السابقين – إلى منطقة جنوب الصحراء الكبرى.
ومن المرجح أيضاً أن يشهد الفناء الخلفي للولايات المتحدة الأميركية في أميركا اللاتينية تراجعاً عن الإهمال “الحميد” الذي شهدته السنوات الأربع الماضية.
وشهدت قمة “أبيك” التي عقدت الأسبوع الماضي في بيرو أول زيارة لجو بايدن إلى أميركا الجنوبية بصفته رئيساً للولايات المتحدة، لكن التطور الرئيس بالنسبة إلى أميركا الجنوبية كان زيارة شي جينبينغ إلى بيرو لافتتاح مجمع موانئ جديد ضخم من شأنه أن يربط مبادرة “الحزام والطريق” العالمية الصينية بالشبكات الإقليمية.
فكل دولة، من بنما وباتجاه الجنوب، حجم تجارتها مع الصين أكبر من الولايات المتحدة الأميركية – وهي ثورة اقتصادية في الجيل الأخير. إن وعد ترمب برفع التعريفات الجمركية سيؤثر في كل دول أميركا اللاتينية باستثناء المكسيك وتشيلي، اللتين ترتبطان باتفاقات تجارة حرة مع الولايات المتحدة. فهاتان الدولتان تقومان بالفعل بإعادة تصنيف الواردات الصينية كصادراتهما إلى الولايات المتحدة الأميركية، وسيعني وقف ذلك نقض تلك الاتفاقات.
بينما تستأثر منطقة الأزمة الممتدة في قوس من روسيا إلى ليبيا ودول الساحل في شمال أفريقيا على اهتمام الحلفاء الأوروبيين، فإن اهتمام نصف الكرة الجنوبي قد يستحوذ على اهتمام دونالد ترمب، سواء أحب ذلك أم لا.