بعد شهور من التساؤل عما إذا كان سيقام أم لا، أُلغي النزال داخل القفص الحديدي المرتقب بشدة بين إيلون ماسك وسام ألتمان. مهلاً، هذا ليس صحيحاً. إذاً، ما شكل هذا الصراع؟ إنه قضية تقليدية مملة حول مستقبل البشرية. وأياً كان الأمر، فقد انتهى.
يبدو أن ماسك غيّر رأيه، حيث تنازل عن الدعوى التي اتهم فيها “أوبن إيه آي” (OpenAI) التي يديرها ألتمان بعدم الوفاء بتعهدها بأن تكون منصة ذكاء اصطناعي “متاحة للجميع” مقابل قدر من أمواله.
لم يصدر تعليق من الرئيس التنفيذي لشركة “تسلا” حتى الآن يفسر تصوره بشأن الدعوى. وقد يكون أحد الأسباب أنها كانت مضيعة كبيرة لوقت الجميع. وسأترك التحليل القانوني الجنائي المفصّل للآخرين.
عوضاً عن ذلك، تبدو هذه فرصة جيدة لتناول الاهتمام المتزايد للصحافة بوجود ماسك وكل أفكاره أثناء اليقظة، في أجندة الأخبار.
تهافت إعلامي على أخبار ماسك
يوم الاثنين-العاشر من يونيو-اختطف ماسك بسهولة قدراً، على الأقل، من الاهتمام الصحفي بشركة “أبل” في ما يخص إعلاناتها الجديدة بشأن الذكاء الاصطناعي، وقام بذلك عبر فورة غضب بدرجة ما على منصة “إكس”-“تويتر” سابقاً- قال فيها إنه سيحظر دخول أجهزة “أبل” إلى شركاته.
قد تظن أنه لن يفعل ذلك بالطبع، فيبدو من الوهلة الأولى أنه أخطأ فهم ما تفعله “أبل” مع “أوبن إيه آي”، كما أنه اقتراح غير عملي بشدة. رغم ذلك، تناقلت وسائل الإعلام ما قاله، ونُشرت مئات العناوين الرئيسية في الصحف.
أشارت زاويتان بارزتان في صحافة التكنولوجيا في الماضي أو نحو ذلك، إلى أنه كان يُفترض أن تظهر وسائل الإعلام مزيداً من ضبط النفس، فنشر مايك ماسنيك مؤسس مدونة “تِك ديرت” (TechDirt) مقالاً عليها يوم الثلاثاء الماضي بعنوان “أيها الصحافيون: ليست كل فكرة سيئة يخرج بها إيلون ماسك تستحق دورة إخبارية كاملة” (Hey Journalists: Not Every Elon Musk Brain Fart Warrants an Entire News Cycle).
ولفت ماسنيك، الذي يعد صحفياً مرموقاً في السياسة التقنية، إلى أن وكالات الأنباء التي تزاحم بعضها لتغطية أخبار أحدث “نوبات غضب” ماسك، تعمل في مجال “الإعلام والترفيه التفاعلي”، وليس الصحافة.
في غضون ذلك، قال جيسون كويبلر، الشريك المؤسس في منصة أنباء التكنولوجيا الجديدة الواعدة “404 ميديا” (404 Media)، إن تلك التقارير الإخبارية كُتبت “بشكل أساسي لغرض الفوز بيانصيب (غوغل)” بالنسبة إلى الباحثين عن الخبر، أو عن أي شيء يخص ماسك نفسه. وأشار إلى أن “إيلون نشر تغريدة” أصبح نموذجاً إخبارياً فعالاً، يتكون بشكل أساسي من إدراج تغريدة ماسك ونشر الخبر بأسرع ما يمكن.
ماسك يستفيد من الدعاية السيئة
الاختلاف مع وجهتي النظر أمر صعب. فيبدو أن الإقبال الشديد على أخبار ماسك يتشابه بدرجة كبيرة مع “الإقبال الشديد على أخبار ترمب” (Trump Bump)، وهو سيل من زيارات المواقع (الإخبارية) من قبل أشخاص لا يمكنهم تجاهل الموضوع، سواء كان محل إعجاب أو منفر.
على غرار دونالد ترمب وأتباعه في حركة “ماغا” (MAGA)، ينجح ماسك ومساعدوه بفضل الأخبار السلبية، وإلا كيف يمكنهم التأكد من إثارة غضب اليساريين، والحشد المؤيد للوعي (woke)، أو أي ممن يعتبرونه عدواً يستحق الهجوم عليه في ذلك الوقت؟
يثير ذلك تساؤلاً عمَّا إذا كان ماسك سيجد أي مكان آخر يشعره برضى مشابه. فمن دون مصدر الحياة الذي تزوده به الدعاية، هو مثل كثيرين على منصة “إكس” التي يملكها، مجرد متصيد مشاغب.
تدقيق في مزاعم ماسك
رغم ذلك، تكمن المشكلة في أن كل ما يقوله ماسك أو يفعله تقريباً جدير بالنشر، حتى الأمور السخيفة. فلا حاجة للتذكير بأنه ثالث أغنى شخص في العالم يدير 6 شركات. كما أن لديه نفوذاً لا يضاهى على وسائل الإعلام، والسيارات، والاتصالات، واستكشاف الفضاء، وغيرها من المجالات. وحقيقة أنه يتصرف كما لو كان طفلاً سهل الاستفزاز في بعض الأحيان لا ينتقص من ذلك، بل الأغلب أن الأمر يستدعي مزيداً من الاهتمام.
في بعض الأحيان قد لا تسفر تغريداته السخيفة عن شيء، لكن في أحيان أخرى، قد تكلفه دعابة عن المخدرات 20 مليون دولار ورئاسته لمجلس إدارة “تسلا” في نهاية المطاف.
لا شك أن التغطية الإعلامية تضخم كراهيته، لكنها أيضاً تساعد في تمهيد الطريق لمن هاجمهم لتقديم شكواهم إلى القضاء، وإن كان نجاحهم ضئيلاً.
رغم أن ماسك استخدم التغطية الإعلامية بالطبع لرفع سعر سهم “تسلا” على مدى سنوات، فذات الاهتمام أفضى إلى تدقيق بالغ الأهمية في مزاعمه الكاذبة الخطرة عن تكنولوجيا القيادة الذاتية والزلات الأخلاقية الأخرى. كانت نتيجة تصويت المساهمين يوم الخميس الماضي على راتب ماسك متقاربة بشكل كبير -بين المؤيدين والمعارضين-بفضل التدقيق الإعلامي في سلوك ماسك.
وسائل الإعلام تتحمل جزءاً من المسؤولية
هل تعفي تلك الأمثلة وسائل الإعلام التي تنتهج أسلوب القطيع من مسؤوليتها؟ ليس بشكل كامل، وأحد سبل المقاومة سيتمثل في جهود التحقيق المذكورة، والتي تختلف تماماً عن موضوعات النظرة العامة الموجزة المتشابهة التي تهدف لزيادة عدد الزائرين التي تنشرها وسائل الإعلام الأقل ميلاً لأداء العمل الشاق، أو التي تفتقر إلى موارد كافية لذلك. إلا أنني لست متأكداً من إمكانية الحصول على أحدهما فقط دون الآخر.
أما اقتراح إمكانية منع وسائل الإعلام من تغطية نوبات غضب ماسك إلى أن تصبح أكثر واقعية أو استمرارية، فهو مجرد أمنيات على أقصى تقدير.
لذلك، وبقدر ما قد يكون البث المستمر لكل ما يقوله ماسك مثيراً للغضب، أخشى أن كل ذلك يجب أن يستمر. فهل تهديد ماسك بحظر أجهزة “أبل” من دخول شركاته مجرد تهديد سخيف وغير عملي وغاضب وبلا معنى؟ بالتأكيد، لكن منذ متى يمنعه ذلك تماماً عن التنفيذ؟ بل أشك حتى أن ماسك نفسه لا يدرك متى يكون جدياً. وبغض النظر عن ذلك، فنحن مضطرون للتعامل مع أخباره.