ماذا وراء الوساطات الجديدة بين الملالي والغرب؟
مؤخراً، لعبت سلطنة عُمان دوراً هاماً في الوساطة بين ملالي إيران وفرنسا من أجل الإفراج عن مخطوفين سجناء في إيران، ونجحت الوساطة في ذلك وانتقل السجناء إلى سلطنة عمان تمهيداً لنقلهم إلى بلادهم.
كانت العزلة التي يعيشها النظام الإيراني في الداخل أشد وطأة وقسوة عليه من العزلة الدولية؛ لذلك كانت أولويات النظام هي الهروب من ضغوط العزلة الدولية في مخططات ومسارات خارجية مختلفة تخفف من حدة العزلة والرفض القائمين ضده من قبل الشعب، وهنا تلعب أدواته الخارجية الدور المكلفة به للمناورة والابتزاز وصناعة الأزمات بنجاح، فيأتي بعدها دور الوسطاء والمهادنون، ولم تقتصر سياسة المراودة والمهادنة مع ملالي إيران على الغرب فقد كان للشرق والشرق الأوسط وللعرب من ذلك النصيب الكبير، وقد لعبت دول كالعراق وسلطنة عُمان دوراً محورياً في الوساطة لصالح ملالي إيران المعزولين داخلياً وخارجياً، وهي وساطات أوجدت مخارج للملالي من أزماتهم وحققت لهم المكاسب وأضرت بالعرب وحطت في الوقت ذاته من قدر الغرب وفضحت مساوماته واتفاقياته الجانبية المخلة مع نظام الملالي.
لم تأت الوساطة بين الملالي والعرب بخير للعرب؛ لكنها كانت وستبقى مسعى لكسر طوق العزلة الخانق على الملالي في ظل انتفاضات شعبية وطنية عارمة في كافة أرجاء إيران، وانتفاضات مشابهة في العراق ولبنان ترفض الملالي ونظامهم وأدواتهم ومخططاتهم، كما لم تجلب تلك المخططات للغرب سوى العار والفضائح وأراقت ماء وجوههم فلم يعد هناك من يحترم شعاراتهم وأفكارهم، ولم تعد هناك مصداقية لوعودهم وتحالفاتهم.
لا تحمل الوساطات السياسية بين دولٍ ما ولا تعبر عن حسن النوايا ولكنها وسيلةٌ مؤكدة للالتفاف والمناورة على الحقائق والثوابت السياسية والقانونية، وفي الوقت ذاته تحقيق بعض المكاسب والتوافقات السرية الملبية لمصالح تلك الدول. وقد وضعت الوساطات العُمانية بين ملالي إيران وفرنسا في السنوات الأخيرة المزيد من علامات الاستفهام بشأن فرنسا وأوروبا والقيم والقوانين التي ترفعها وتتشدق بها منذ عقود طوال، خاصة تلك التي تتعلق بالحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، ودفع الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية وشعوب ودول المنطقة ثمناً باهظا لها، إذ فكت القيد المفروض على النظام السوري الحليف للملالي وفرضته كأمر واقع داخل سوريا وفي المنطقة لتستمر بذلك مأساة ومعاناة الشعب السوري وأعطت الشرعية للممارسات الحكومية في إيران والعراق لقمع الشعبين الإيراني والعراقي لصالح نظام الملالي والموالين له في العراق، كما شرعت لتقبل دعم ملالي إيران للفصائل الفلسطينية الساعية إلى تشويه السلطة الفلسطينية الشرعية والقضاء عليها كما هو جارٍ الآن.
نتيجة لتلك الوساطات والمفاوضات وغيرها وصلت قنبلة دبلوماسية نوعية شديدة الانفجار إلى أوروبا قادمة من طهران، ومن دولة لأخرى ومن يد ليد ومن عميل لعميل وبتسهيلات كبيرة حتى وصلت إلى تجمع سنوي كبير للمعارضة في باريس وكادت هذه القنبلة أن تفتك بأكثر من نصف الحضور وتشوه الكثيرين من الحاضرين لولا يقظة عناصر المقاومة الإيرانية علما بأنه كان هناك مئات الشخصيات العالمية المرموقة، ومع ذلك لم تكترث السلطات الفرنسية بذلك، وعندما أدان القضاء البلجيكي هذه الجريمة الإرهابية المتكاملة الأركان والأدلة. تمت مبادلة الدبلوماسي الإرهابي بمختطفين أبرياء وإعادة الدبلوماسي الإرهابي إلى إيران، ونتيجة لتلك الوساطات والمهادنات أيضاً ضُيق الخناق على المقاومة الإيرانية في جنوب شرق أوروبا، وتم قمع أفرادها وقتل بعض عناصرها وهدم وتخريب ممتلكاتهم وهم لاجئون أبرياء عزل، وفي باريس منعوا المقاومة الإيرانية بضغوط ومساومات سرية من نظام ولاية الفقيه من عقد مؤتمر سنوي لها لولا أن المقاومة ربحت معركة التحدي من خلال القضاء الفرنسي وتم عقد المؤتمر على أفضل ما يكون، الأمر الذي دفع بالملالي أنفسهم إلى كشف المستور وفضح ما جرى وكان علناً أمام وسائل الإعلام لدرجة قولهم بأنهم أخضعوا قوى الاستكبار العالمي لإرادتهم وتلبية مطالبهم وبات الأوروبيون في موقف لا يحسدون عليه: موقف من غص بموسى الحلاقة، فإن أخرجه قتله وإن ابتلعه قتله.
مؤخراً، لعبت سلطنة عُمان دوراً هاماً في الوساطة بين ملالي إيران وفرنسا من أجل الإفراج عن مخطوفين سجناء في إيران، ونجحت الوساطة في ذلك وانتقل السجناء إلى سلطنة عمان تمهيداً لنقلهم إلى بلادهم.
بالأمس، تُعيد السويد سيافاً إيرانياً من عناصر نظام الملالي أدانه القضاء السويدي بالتورط في مجازر الإبادة الجماعية لثلاثين ألف سجين سياسي سنة 1988، ولن ينتهي هذا المسار بين الملالي والغرب، والآن صفقة السجناء الفرنسيين وتوقيتها.. إننا لا نستغرب حدوث هذه الوساطات فقد اعتدنا عليها لكن ما لم يُذكر حول هذه الوساطة هو توقيتها وثمنها إذ جرت في وقت تسعد فيه المقاومة الإيرانية إلى عقد تجمعها السنوي الكبير في فرنسا وفي دول أوروبية أخرى؛ فهل يا ترى ستمضي الأيام القادمة دون سماع أصداء حول تلك الصفقات المخزية هنا وهناك؟ هذا ما نحن بانتظاره.