بمرور الأيام يتأكد أكثر أن “حزب الله” بات أمام خيارات صعبة للغاية. فقد فقَد البقية الباقية من مشروعية سلاحه التي كان قد انتزعها بالقوة والترهيب والترغيب، فارضا على اللبنانيين هرطقة الثلاثية المسماة “ذهبية”، أي أن يتضمن البيان الوزاري للحكومات المعاقبة بندا يتحدث فيه عن الحق في المقاومة، على أن يكون منوطا بالجيش والشعب و… “المقاومة” التي تعتبر الاسم الحركي لـ”حزب الله”.
بمعنى آخر، لن يجد “حزب الله” بعد ما جرى، وحتى لو تمكن من الإفلات من التدمير التام لقوته العسكرية، أي جهة لبنانية وازنة تقبل بأن تمنحه أي شرعية لسلاحه. فقد انتهى زمن البيانات الوزارية التي تُستغل من أجل شرعنة سلاح غير شرعي، وانتهى زمن التغطية من خارج البيئة الحاضنة اللصيقة للحزب لسلاح غير شرعي. وآخر الحلفاء الذين قفزوا من المركب “التيار الوطني الحر”، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وما عادوا في وارد التماهي مع “حزب الله”، ولا تأكيد سرديته للحرب التي تورط فيها وورّط معه لبنان بأسره.
اقرأ أيضا.. عودة لبنان إلى العرب قبل عودتهم إليه
ولعلّنا لا نجافي الحقيقة إن قلنا إنّ التعاطف الكبير الذي يلقاه أبناء البيئة الحاضنة للحزب، وخصوصا النازحين من المناطق المنكوبة في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية من بيروت، لا ينسحب في أي حال على “حزب الله”. فالبيئات اللبنانية على تنوعها تعتبر أن “حزب الله” بات يشكل خطرا داهما على الكيان، بعدما ارتكب الخطأ الذي لا يغتفر بعدم الاستماع الى أصوات غالبية اللبنانيين الذين كانوا يحذرونه من مغبة التورط وتوريط لبنان. وكم قدمت للحزب نصائح بعدم إساءة تقدير الموقف، وإساءة تقدير الواقع الإسرائيلي والدولي بعد عملية “طوفان الأقصى”. وكم من مناشدة عربية ودولية ومحلية وصلت إلى “حزب الله” والرئيس نبيه بري للإقلاع عن مقامرة الحرب العبثية، لأنها كانت تنذر بحدوث كارثة محققة. لكن “حزب الله” أبى أن يستمع إلى الأصوات العاقلة التي كانت تسعى من خلال تحذيراتها إلى تجنيب لبنان كارثة.
والمفارقة أن ما كان مطروحا قبل ٣٠ تموز (يوليو) (تاريخ اغتيال القائد العسكري الأعلى فؤاد شكر) قد سحب عن الطاولة. فيقيننا أن تطبيق القرار ١٧٠١ الذي رفضه الحزب أكثر من اثني عشر شهرا، لم يعد من الناحية الفعلية على جدول أعمال إسرائيل أو اميركا. ففي ضوء الواقع على الأرض، وانتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، بات المطروح من الناحية الفعلية إنهاء وظيفة “حزب الله” العسكرية والأمنية، بالتراضي أو بالإكراه.
والجديد أن “حزب الله” لم يكتف باستعداء العالم والعرب، إنما استعدى جزءا من بيئته المنكوبة وكل اللبنانيين الذين لن يقبلوا بعد ما حصل التعايش مع سلاح غير شرعي يقتل اللبنانيين، ويستدرج باستمرار الحروب مع الخارج.
ما نتحدث عنه هو حقيقة مشاعر اللبنانيين حيال الحزب المذكور. وقد ظهرت هذه المشاعر العفوية عند شيوع خبر مقتل سليم عياش، المتهم الأساسي باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي وصفه الأمين العام السابق لـ”حزب الله” مع شركائه بالقديسين! وأقسم أنه لن يسلّمهم إلى العدالة الدولية ولو بعد ثلاثمئة سنة.
احتفلت غالبية اللبنانيين بمقتله من دون الالتفات إلى هوية من قتله. استنتاجا، ليت من تبقى من قيادة الحزب يدركون عمق الطلاق مع الأكثرية الساحقة من اللبنانيين.