إشهار سلاح «التجويع» مجددًا في شمال غزة
حكومة الاحتلال تواصل وضع نفسها فوق القانون الدولي الإنساني وشرعة حقوق الإنسان الذي يحظر التسبب بالمجاعة كممارسة عسكرية ضد السكان المدنيين.
تظهر التقارير المحلية أن «إسرائيل» الدولة القائمة بالاحتلال عادت مرة أخرى لاستخدام سياسة التجويع في مدينة غزة وشمال قطاع غزة، بعد أن أشهرته كسلاح في وجه الغزيين امتد لقرابة ستة أشهر، ما دفعهم لأكل أعلاف الحيوانات وحبوب الطيور لسد رمق جوعهم وجوع أطفالهم.
أمام الضغوط والمطالبات الدولية على دولة الاحتلال، سمح مجلس الحرب الإسرائيلي في الشهر السادس لحرب الإبادة ولمدة ثلاثة أسابيع بتدفق المساعدات الإنسانية إلى شمال قطاع غزة، وسمحت للقطاع الخاص بإدخال المواد الغذائية والخضروات واللحوم والدواجن والبيض والفواكه والتي ساهمت بانخفاض أسعارها في الأسواق المحلية.
ولكن سرعان ما أغلقت قوات الاحتلال بوابة القطاع الخاص وأبقت على فتات المساعدات الإنسانية من الطحين وصناديق المُعلبات وتزامن ذلك مع اغلاق معبر رفح البري، ما ساهم بفقدان السلع الأساسية من السكر والأرز والبقوليات واللحوم والدواجن والبيض والخضروات والفواكه من الأسواق، وعودة المجاعة من جديد.
فيما كشف خبراء في الأمم المتحدة عن تراجع حجم المساعدات الإنسانية الواردة إلى قطاع غزة إلى الثلث، فيما أوضح مكتب منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة أن تدفق المساعدات الإنسانية انخفض إلى ما نسبته 67% مع بدء العملية العسكرية الإسرائيلية في محافظة رفح وإغلاق معبر رفح ما يهدد بعودة الجوع إلى قطاع غزة من جديد.
وحذرت منظمة الصحة العالمية من أن «أطفال غزة يتضورون جوعًا مع استمرار العقبات أمام وصول المساعدات الإنسانية»، وقالت المتحدثة باسم المنظمة مارغريت هاريس: «هؤلاء هم الأطفال دون سن الخامسة الذين لا يحصلون على الطعام طوال اليوم. لذا فالسؤال: هل تصل الإمدادات؟ الإجابة لا، فالأطفال يتضورون جوعًا». فيما أفادت المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة حنان بلخي قائلة «هناك أناس يأكلون الآن طعام الحيوانات والعُشب ويشربون مياه الصرف الصحي داخل قطاع غزة».
وأبدت منظمات محلية ودولية تخوفها من تفشي وباء الكوليرا في قطاع غزة مع ارتفاع درجات الحرارة ومحدودية الوصول إلى المياه النظيفة وتدفق مياه الصرف الصحي في الشوارع والطرقات.
وأوضحت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» أن «90% من الأطفال يعانون من فقر غذائي حاد»، فيما حذر مدير برنامج الأغذية العالمي في فلسطين من تزايد خطر المجاعة، مضيفاً «إذا لم نتمكن من إيصال مساعدات بكميات كبيرة إلى قطاع غزة ستتزايد علامات المجاعة».
وحذر المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» فيليب لازاريني، من استمرار انقطاع دخول المساعدات وإمدادات الوقود عبر معبر رفح ما سيوقف الاستجابة الإنسانية في جميع أنحاء قطاع غزة ، مشدداً أن كارثة الجوع التي يواجهها الناس وخاصة في شمال قطاع غزة ستزداد سوءاً إذا توقف دخول الإمدادات. وقال: «ما نحتاجه هو وقف إطلاق النار الآن، وليس نزوح قسري جديد والقلق من المعاناة لا تنتهي».
إن اشهار حكومة الاحتلال سلاح التجويع في وجه الفلسطينيين في شمال قطاع غزة، دفع 70 منظمة حقوقية لإصدار بيان مشترك دعا لإعلان المجاعة رسمياً في غزة نتيجة إصرار دولة الاحتلال الإسرائيلي على ارتكاب جريمة التجويع واستخدامه كسلاح حرب، في إطار جريمتها الأشمل في الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
وتزامن البيان المشترك لنحو 70 مؤسسة حقوقية مع تهم وجهتها محكمة الجنائية الدولية لرئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير حربه يؤاف غالنت أبرزها المجاعة الجماعية للمواطنين والتسبب بمعاناتهم بشكل متعمد والدعوة إلى القتل الجماعي وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وبموجب تلك التهم تقدم المدعي العام لمحكمة الجنائية الدولية كريم خان بطلب لاستصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو وغالنت وآخرين من يكشف التحقيق عنهم.
إن حكومة الاحتلال تواصل وضع نفسها فوق القانون الدولي الإنساني وشرعة حقوق الإنسان الذي يحظر التسبب بالمجاعة كممارسة عسكرية ضد السكان المدنيين، حيث تؤكد المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1977، على حماية الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، وتحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل المواد الغذائية والمناطق الزراعية والمحاصيل والماشية ومرافق الشرب وشبكاتها وأشغال الري، إذا كان الهدف هو تجويع المدنيين أو حملهم على النزوح أو لأي باعث آخر.
ونصت المادة 6 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، أن «أي من الأفعال التي ترتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه، إهلاكًا كليًّا أو جزئيًا، توصف على أنها إبادة جماعية». وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تنص المادة 11 منه «على حق الإنسان في الحصول على الغذاء الكافي والملائم للحياة، وتلزم الدول الأطراف باتخاذ الإجراءات المناسبة لضمان حق الإنسان في الغذاء».
ويخالف التسبب بالمجاعة وتدمير مقومات الحياة في قطاع غزة، التدابير المؤقتة التي أقرتها محكمة العدل الدولية، ما يدفع بإمكانية مقاضاة المسؤولين عن الأمر أو والمتسببين بتأخير توصيل المساعدات أمام المحكمة الجنائية الدولية. إنّ الأفعال والسياسات التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على المواطنين في قطاع غزة تضعها في موضع المسؤولية الجنائية، بسبب مسؤوليتها عن خلق ظروف مثل الهجمات المباشرة على المنشآت الحيوية، أو فرض الحصار على المواطنين لمنع وصول المساعدات الإنسانية.
إن سلاح التجويع والتعطيش والقتل والتدمير ما زال مُشهراً بوجه الغزيين للشهر التاسع على التوالي، مُدمراً أية إمكانية للعيش في غزة، فيما لم يسمح مجلس الحرب الإسرائيلي بإدخال الوقود وغاز الطهي ما يهدد أي سبل للحياة ويتسبب بتفشي الأمراض والأوبئة وإحداث مكرهة صحية وتلوث مياه الشرب نتيجة تدفق مياه الصرف الصحي في شوارع القطاع وأزقته وبين بيوت وخيام النازحين، ما دفع الغزيين لاستخدام بدائل لطهي الطعام، وطاول التدمير البنى التحتية وخطوط الكهرباء والمياه في كافة مناطق قطاع غزة، حتى أنه طاول القطاع المصرفي في عدم السماح بإدخال السيولة النقدية ما أدى إلى شحها في الأسواق الفلسطينية وجعل جيوب المواطنين فارغة.