ملفات فلسطينية

أي مفاجآت تنتظر شمال فلسطين؟

ما شهدته منطقة الجليل في الشمال الفلسطيني المحتل أمس ليس بالمشهد الاعتيادي، حيث استطاع حزب اللـه إشعال الجغرافيا هناك.

في السادس عشر من شباط 2011 قال الأمين العام لحزب اللـه حسن نصر اللـه في احتفال بذكرى شهداء المقاومة في بيروت، رداً على تهديدات قادة الكيان الإسرائيلي بإعادة احتلال لبنان: «أقول لمجاهدي المقاومة الإسلامية: كونوا مستعدين ليوم إذا فرضت فيه الحرب على لبنان أن تطلب منكم قيادة المقاومة تحرير الجليل في شمال فلسطين المحتلة»، ليكرر في الخامس والعشرين من الشهر الماضي في كلمة بمناسبة حفل تأبيني للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي: «يجب أن تنتظر (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو) منا نحن ومن مقاومتنا، يجب أن تنتظر المفاجآت».

والسؤال الذي يطرح نفسه في خضم ما يشهده شمال فلسطين المحتلة من أحداث بفعل ضربات المقاومة، التي أسفرت بعد دخول حزب اللـه على جبهة الإسناد دعماً لغزة ومقاومتها عن فرار عشرات آلاف المستوطنين من مستوطنات الشمال، خاصة في الجليل الأعلى، وتحول تلك الجغرافيا أمس إلى أرض من رماد، السؤال: هل دنت لحظة دخول مقاتلي حزب اللـه إلى الجليل؟ وهل يفعلها نصر اللـه ويأمر بالقيام بذلك إذا ما ذهب العدو بإجرامه في القطاع إلى نقطة اللاعودة؟

ما شهدته منطقة الجليل في الشمال الفلسطيني المحتل أمس ليس بالمشهد الاعتيادي، حيث استطاع حزب اللـه إشعال الجغرافيا هناك من مستوطنة «كريات شمونة» إلى «كفار جلعادي» وصولاً إلى جنوب الجولان السوري المحتل، مشهد يدفع بالكثير من الاحتمالات والسيناريوهات التي يمكن أن يقدم الحزب عليها لاحقاً.

وليستحضر كل ذلك كلام نصر اللـه في عام 2011، خاصة بعد امتلاك الحزب اليد الطولى في الشمال، الأمر الذي أكده موقع «حدشوت بزمان» الإسرائيلي بقوله: «في العموم، لا توجد نقطة في الشمال لا يستطيع حزب اللـه أن يضربها بدقة بالمُسيّرات، كما يستطيع أن يضرب بسهولة مصانع الدفاع، والقواعد العسكرية، ومخازن الوقود وحتى مجموعات رافائيل المحمية بمجموعة متنوّعة من الدفاعات».

في فكرة اجتياح مقاتلي حزب اللـه الجليل، نشرت مجلة «معرخوت» التي يصدرها الجيش الإسرائيلي، عام 2014 دراسة لضابط في شعبة الاستخبارات العسكرية عرّفت عنه المجلة باسم «المقدم ن»، تحدث فيها عن احتمال أن يكون حزب اللـه غيّر إستراتيجيته، من «الانتصار بوساطة عدم الهزيمة» إلى تقصير مدة المواجهة في المرة القادمة من خلال عمليات برية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ويقول في دراسته تلك: «إن الجيش الإسرائيلي سيضطر إلى أن يأخذ في الحسبان إمكان أن يحاول حزب اللـه تقصير مدة المعركة بإقرار حقائق على الأرض مثل اجتياح بلدة في الجليل، أو إعداد الجبهة الداخلية لهجوم مركز على الحدود، والاستعداد أيضاً لإمكانية أن يختار حزب اللـه بدء المواجهة العسكرية بهجوم مفاجئ قد يكون محاولة لإنهاء الحرب قبل أن تبدأ بالفعل».

في ضوء الإنجازات، والمفاجآت التي يحققها حزب اللـه يومياً في ميدان المواجهة مع الكيان الصهيوني، فإن كل الاحتمالات ممكنة، ليوصف وزير الحرب الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان مشهد الجبهة الشمالية بالقول: «كل ما نراه الآن من حزب اللـه هو مجرد تجربة، إنهم ببساطة يحاولون معرفة نظامنا الدفاعي، وردود دفاعاتنا الجوية، وطبيعة الرد، وسرعته»، ليتزامن مشهد الشمال المتهالك مع مشهد الداخل الصهيوني، وما يشهده من انقسامات حادة على المستويات كلها، وهزائم عسكرية في قطاع غزة، وعدم قدرة نتنياهو على النزول عن الشجرة، من جراء إصراره على تحقيق جملة من الوعود التي أطلقها في بداية العدوان على القطاع بالقضاء على المقاومة وفي مقدمتها حركة حماس، وإعادة الجنود الأسرى، ليقف اليوم أمام حقيقة استحالة تحقيق أي منها.

كما في السياسة، لا شيء مستبعداً أو مستغرباً في الحرب، فخرائطها سرعان ما قد تتغير وفقاً لمجريات الأرض، والتكتيك الأولي قد يطور في مفهوم العسكرة وفقاً لمقتضيات تحقيق الهدف التالي، ومن مرحلة «إفراغ الشمال» إلى مرحلة «الدخول إليه»، يختبئ قرار الانتقال من تكتيك الدفاع إلى شن الهجوم، وبالطبع فإن كل الاحتمالات في الشمال متوقفة على مفرزات الأرض في الجنوب الغزاوي، وما ستفضي إليه مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، لتختصر صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية كل ما نحاول تحليله وقوله بتأكيدها: «الأمر كأنّ مفاتيح الشمال أصبحت بيد نصر الله، فهو يفعل ما يريد؟».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى