في تاريخ الفن العربي، برزت العديد من الأغاني الشعبية التي أثارت الجدل بسبب تفسيراتها أو إسقاطاتها السياسية. ومن بين هذه الأغاني تأتي “يا صبحة”، وهي أغنية من الفلكلور السوري حملت طابعًا ساخرًا، لكنها أصبحت موضوعًا للغضب السياسي حين قيل إنها أغضبت الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
“ياصبحة”: الأغنية التي أغضبت صدام حسين
أغنية “يا صبحة” هي واحدة من الأغاني الشعبية التي اشتهرت في سوريا خلال العقود الماضية، وغناها الفنان عبد اللطيف فتحي، المعروف بشخصيته الفكاهية وأدائه للأغاني ذات الطابع الشعبي البسيط. الأغنية كانت تُذاع على إذاعة دمشق بشكل متكرر بسبب شعبيتها الكبيرة وإيقاعها المبهج الذي جذب المستمعين.
في ثمانينيات القرن الماضي، وسط أجواء سياسية مشحونة بين سوريا والعراق، جرى تفسير الأغنية على أنها تحمل إسقاطات سياسية مباشرة. تشير الروايات إلى أن بعض المقربين من صدام حسين أوصلوا إليه أن “يا صبحة” تشير بشكل مبطن إلى والدته، صبحة طلفاح المسلط. ورغم أن الأغنية لا تذكر أسماءً أو أحداثًا سياسية، إلا أن التوتر بين النظامين السوري والعراقي جعل أي تعبير شعبي أو فني موضع تأويل.
أغنية “يا صبحة” هي أغنية سورية تعود إلى التراث الشعبي، وتتميز بكلماتها العفوية ولحنها المرح الذي يحمل روح الريف. الأغنية كانت تتغنى باسم “صبحة”، وهو اسم أنثوي تقليدي شائع، وتحمل كلماتها مشاعر الشوق والحب البسيط الذي يعكس حياة الناس العادية.
القصة المثيرة للجدل بدأت عندما كان صدام حسين يستمع إلى إذاعة دمشق، حيث كانت الأغنية تُذاع بشكل متكرر. وفقًا للروايات، أثارت الأغنية غضب صدام حسين بسبب وجود تشابه بين اسم “صبحة” المذكور في الأغنية واسم “صبحية”، وهو اسم والدته.
صدام حسين اعتبر إذاعة الأغنية بهذا الشكل المتكرر نوعًا من الإساءة أو التلميح الشخصي غير اللائق. وكنتيجة لذلك، طلب من السلطات السورية عبر القنوات الدبلوماسية وقف بث الأغنية.
قيل إن غضب صدام حسين من الأغنية وصل إلى حد اتخاذ إجراءات ضد بعض الفنانين أو المؤسسات الفنية السورية. وقد تسببت هذه الحادثة في تعميق حالة التوتر بين البلدين، حيث اعتُبر أن سوريا تتعمد استخدام الفن كوسيلة للإساءة للنظام العراقي. ورغم عدم وجود أدلة موثقة على إصدار أي عقوبات مباشرة، إلا أن القصة انتشرت كجزء من الحكايات الشعبية التي عكست طبيعة تلك المرحلة.
تشير الروايات إلى أن طلب صدام حسين أثار جدلًا داخل أروقة إذاعة دمشق. ومع أن الأغنية كانت بسيطة ولا تحمل أي نوايا سياسية، إلا أن الإذاعة قررت لاحقًا تقليل بث الأغنية لتجنب التصعيد الدبلوماسي مع العراق.
و إذا ما نظرنا إلى كلمات الأغنية بعيون ناقدة، نجد أنها قد تحمل طابعًا ساخرًا أو شعبيًا يعبر عن قضايا اجتماعية، لكنها بعيدة عن التسييس المباشر. ومع ذلك، فإن الحساسية المفرطة لدى الأنظمة القمعية تجعل أي عمل فني عرضة لسوء الفهم، خاصة إذا توافقت بعض الكلمات مع سياقات يمكن إسقاطها على شخصيات سياسية.
كشفت أغنية “يا صبحة” عن مدى حساسية الحكام العرب تجاه أي شيء قد يُفسر على أنه إشارة شخصية أو سياسية. ورغم بساطة الموضوع، إلا أن القصة أصبحت واحدة من الأمثلة الشهيرة على تداخل السياسة مع الفن في العالم العربي.
لا تزال “يا صبحة” تُذكر حتى اليوم كأغنية تمثل جزءًا من التراث الشعبي السوري، كما أنها تحمل دلالات على العلاقة المعقدة بين الفن والسياسة في المنطقة. وبينما يرى البعض أن الحادثة مضحكة بسبب بساطة الموضوع، يراها آخرون نموذجًا على قوة الفن في إثارة الجدل.