أزمة المياه في غزة.. وشبح الكوارث الصحية
يضغط نقص المياه النظيفة بشكل كبير على جميع سبل الحياة، وأهمها القطاع الصحي في غزة، الذي يعاني أصلاً من نقص في الموارد والمعدات الطبية.
تشهد غزة أزمة مياه حادة تتفاقم يوماً بعد يوم، في ظل حرب الإبادة الاسرائيلية التي تعصف بالقطاع منذ تسعة أشهر. يعاني القطاع من نقص شديد في الموارد الأساسية، وعلى رأسها المياه الصالحة للشرب.
ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، لا يعمل حاليًا سوى خط واحد فقط من بين خطوط أنابيب المياه الثلاثة الممتدة من إسرائيل إلى غزة، في حين تضرر جزء كبير من البنية التحتية للمياه في القطاع بسبب الغارات الجوية.
ويقدر إجمالي كمية المياه المتاحة حاليا في غزة بنحو 10 إلى 20% فقط من الكمية التي كانت تتوفر قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وفقا للجهاز المركزي للإحصاء وسلطة المياه الفلسطينية.
إن هذه الأزمة المائية ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة تراكمات طويلة الأمد من التحديات البيئية والسياسية والاقتصادية. ومع ذلك، فإن الحرب الاسرائيلية الحالية على قطاع غزة وتدمير البنية التحتية الحيوية زادا من تفاقم الوضع، مما يهدد الصحة العامة لسكان القطاع ويزيد من معاناتهم اليومية. حيث أصبح من المعروف سياسية الاحتلال الاسرائيلي في حرب الابادة الجماعية هذه والتي تهدف الى سحق كافة سبل الحياة في قطاع غزة وتحويل القطاع الى منطقة غير قابلة للحياة. حيث أن معدل ما يحصل عليه الأهالي في قطاع غزة هو 3 لترات فقط من الماء يوميًا، وهو أقل بكثير من الحد الأدنى المطلوب للفرد.
تتجه الأنظار إلى هذا الشريان الحيوي الذي يضع حياة أكثر من مليوني نسمة على المحك، ويعكس حجم المأساة الإنسانية التي يعيشها سكان القطاع المحاصر. إن تفاقم هذه الأزمة ينذر بكوارث صحية على المدى القريب والبعيد على حد سواء.
تعتمد غزة بشكل رئيسي على المياه الجوفية، والتي تشكل نحو 90% من مصادر المياه المتاحة. ومع ذلك، فإن هذه المياه الجوفية تعاني من تدهور شديد في نوعيتها نتيجة للتلوث والتملح المفرط. تشير التقديرات إلى أن أكثر من 95% من المياه الجوفية في غزة غير صالحة للشرب، مما يضطر السكان للاعتماد على شراء المياه المعبأة بأسعار مرتفعة لا يستطيع الكثيرون تحملها.
أسهمت الحرب المستمرة منذ تسعة أشهر في تفاقم أزمة المياه. فقد تعرضت العديد من مرافق البنية التحتية للمياه، بما في ذلك محطات التحلية وشبكات توزيع المياه، لأضرار جسيمة وخروج بعضها عن الخدمة جراء القصف المستمر. هذا الوضع أدى إلى انقطاع المياه عن العديد من المناطق واعتماد اهالي مخيمات النزوح على المياه التي يتم توفيرها من قبل قوافل المساعدات التي تدخل عبر المعابر والتي هي ضئيلة جدا من حيث الكميات وزاد من معاناة السكان الذين باتوا يواجهون صعوبة كبيرة في الحصول على مياه صالحة للشرب والاستخدام اليومي.
تعد النساء والأطفال من أكثر الفئات تأثراً بأزمة المياه في غزة. حيث في نتائج قامت بها منظمة أوكسفام الدولية، أن المرحاض الواحد يتشارك في استعماله 891 شخصًا في المواقع التي تم تقييمها، في حين تم تصنيف حوالي ثلثي (67%) من المراحيض على أنها إما لا تعمل، أو ليست في حالة جيدة. أقل من النصف، و44% منها تحتوي على مرافق لغسل اليدين في مكان قريب، وثلاثة من أصل أربعة مواقع تم تقييمها لم تكن بها حمامات للاستحمام، وفي حال وجودها، فإن معدل 1764 شخصًا يتشاركون في استخدام كل حمام للاستحمام.
الأطفال بدورهم يعانون من تداعيات صحية مباشرة، حيث أن نقص المياه النظيفة يؤدي إلى انتشار الأمراض التي تصيب الأطفال بشكل خاص، حيث أن نقص الصرف الصحي، واكتظاظ مراكز الإيواء، إلى جانب نقص المياه والكهرباء ومستلزمات النظافة الشخصية، أدى إلى ارتفاع الإصابة بحالات التهاب السحايا والتهاب الكبد الوبائي بشكل كبير في المخيمات، خصوصًا بين الأطفال والنساء.
يضغط نقص المياه النظيفة بشكل كبير على جميع سبل الحياة، وأهمها القطاع الصحي في غزة، الذي يعاني أصلاً من نقص في الموارد والمعدات الطبية. تؤدي الظروف المائية المتدهورة إلى تفاقم الأوضاع الصحية داخل المستشفيات والمراكز الصحية، حيث يصبح من الصعب الحفاظ على معايير النظافة والتعقيم الضرورية. هذا الوضع يزيد من مخاطر انتقال العدوى بين المرضى ويعوق القدرة على تقديم الرعاية الصحية اللازمة. علاوة على ذلك، فإن الانقطاع المستمر للمياه يعطل عمل العديد من الخدمات الصحية الأساسية، مثل غسيل الكلى والعمليات الجراحية، مما يضع حياة العديد من المرضى في خطر.
تمثل أزمة المياه في غزة تحدياً كبيراً أمام السكان في القطاع، في ظل استمرار الحرب والحصار. إن تفاقم هذه الأزمة ينذر بكوارث صحية قد تكون لها آثار طويلة الأمد على المجتمع، مما يتطلب اهتماماً عاجلاً من الجهات الدولية والإنسانية للتخفيف من معاناة سكان غزة والحفاظ على صحتهم وسلامتهم.